القائمة الرئيسية

الصفحات

شريف شعبان يكتب: جائزة البوكر للرواية المصرية القديمة!





ربما لا يفطن الكثير بأن الحضارة المصرية القديمة لم تكن رائدة فقط في مجالات الطب والهندسة والمعمار والفلك، بل ترك لنا المصريون القدماء إرثاً رهيباً من البرديات التي تضم أدبيات خالدة تعد أقدم أعمال أدبية معروفة في التاريخ.


يصنّف علماء المصريات المعاصرين الأدب المصري القديم إلى أنواع عدة، منها على سبيل المثال النصوص الدينية مثل متون القرابين ونصوص الأهرام من الدولة القديمة والتي اعتبرت نواة فن الأدب لدى المصريين القدماء، كما عرفوا فنون الرثاء والخطابة والحكايات والوصايا والتعاليم. وتعد فقط الحكايات السردية هي المكتوبة على هيئة كتابات نثرية، ورغم ذلك فالكثير من تلك الحكايات السردية إضافة إلى الأنواع الأدبية الأخرى، كانت مكتوبة في هيئة أبيات شعرية، حيث أن معظم الشعر المصري القديم كان مكتوبًا في هيئة أبيات من مقطعين، وأحيانًا من ثلاث أو أربعة مقاطع.  


دُوِّنت أغلب الأدبيات المصرية القديمة بالهيروغليفية أو الهيراطيقية؛ حيث كانت الهيروغليفية تُستخدم في التدوين على جدران المعابد أو المقابر، بينما استُخدمت النصوص الهيراطيقية في الكتابة على مخطوطات البردي. وعلى الرغم من أن استخدام الكتابة الهيراطيقية ثم الديموطيقية ويليها القبطية أصبحت أكثر رواجًا بين طبقة المثقفين والأدباء؛ إلا أنه استمر استخدام الكتابة الهيروغليفية. معظم الحكايات والقصص وجدت مدونةً على مخطوطات من البردي، وقليلاً ما تواجدت منها أجزاء من النصوص أو نصوص كاملة منقوشة على أحجار. فمثلاً، وجدت قصة "سنوحي" على خمس برديات تعود للأسرتين الثانية عشرة والثالث عشر، والتي أعيد نسخها مرات عدة على حجارة خلال عصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، أحدها يحتوي على النص كاملاً على كلا الجانبين.


مع قدوم الدولة الوسطى لمع فن السرد والرواية لدى المصريين القدماء رغم قلته وأصبح للخيال مكانا كبيرا بين بحور الأدب، فنرى الإبداع الأدبي في قصص مثل  قصة الملاح الغريق حيث تخيل المؤلف وصول الملاح إلى جزيرة صحراوية بعد هلاك رحلته البحرية ودمار سفينته حيث قابل ثعبانًا يتكلم، وما أن يتملك الرعب من الملاح طمأنه الثعبان بعدما عرف أن الملاح مصري أتى في رحلة بأوامر الملك، وعندما سأله الملاح عن حاله أخبره بأنه كان ضمن عدة ثعابين كثيرة في الجزيرة ولكن سقط عليها نجم أحرقها ولم يبق على الجزيرة غيره. وقد أصبحت فكرة تلك القصة نواة أدب الرحلات الأسطوري الذي ظهر في أعمال عدة مثل السندباد البحري وروبنسون كروزو، أو قصة حياة بي life of Pi للكاتب الكندي يان مارتل.


أما عن أشهر عمل أدبي مصري في تلك الفترة، فهي قصة سنوحي الشهيرة، وهي قصة تدور أحداثها حول قيام سنوحي خادم الملك أمنمحات الاول بالهرب خارج مصر بعد اغتيال الملك وتورط اسمه في تلك الجريمة، فيهيم على وجهه نحو البراري وسط مغامرات شيقة حتى يصل إلى إحدى القبائل فيعيش وسطها حتى يصبح كبيرها. وما أن يسمع سنوحي بوصول قرار العفو من الملك الجديد سنوسرت الاول حتى يطوق شوقاً للعودة إلى وطنه مصر كي يموت ويدفن فيها، فيصف لنا الأديب مدى حب البطل لمصر بكلمات عذبة يصف خلالها رحلة عودته إلى الوطن واستقبال الملك له. 


وكان لهذه القصة تأثيرا كبيرا على الأدب المصري المعاصر، فنجد الأديب الكبير نجيب محفوظ عام 1941 قصة بعنوان عودة سنوحي، وترجمها ريمون ستوك في عام 2003 إلى الإنجليزية في مجموعة قصص قصيرة لمحفوظ بعنوان "أصوات من العالم الآخر - Voices from the Other World".  وتستند القصة مباشرة على قصة سنوحي الأصلية، مع إضافة تفاصيل عن رومانسية  لا تظهر في القصة الأصلية.


ومع إشراقة الدولة الحديثة زاد فن السرد فنرى قصصاً عدة مثل قصة سقوط يافا، وحكاية الأمير الملعون، وقصة الأخوين، وقصة وين آمون. ونرى السرد الملحمي في قصة سقوط يافا، حيث اجتماع حرب يعقده الملك العظيم تحتمس الثالث لشن حرب على أمير يافا بعدما تطاول على مصر وذبح حاميتها، حينها يقترح القائد جحوتي بمنحه 500 جندي من خيرة رجال مصر و200 سلة وأن يمنحه الصولجان الملكي، ورغم تعجب الملك إلا أنه وافق. فتحرك جحوتي بعدما وضع 200 جندي داخل السلال الضخمة وأقنع أمير يافا بأنه منشق عن الملك المصري وسوف يكون في خدمته وقدم له الصولجان دلالة على هذا الإنشقاق، وما أن سمح امير يافا بفتح أبواب المدينة المحصنة وإدخال السلال حتى خرج منها الجنود واقتحموا المدينة وأعادوها إلى الحكم المصري بينما حُمل أمير يافا أسيراً إلى مصر. تلك الفكرة التي انتلقت للأدبي الإغريقي في قصة حصان طروادة ضمن ملحمة الإلياذة لهوميروس.


بينما تحكي قصة تقرير وين آمون قصة واقعية لمصري سافر إلى جبيل في فينيقيا لجلب خشب الأرز لبناء السفن في عهد رمسيس الحادي عشر، وتعرض للإهانة والسرقة والسطو وهو يصرخ كما نقول حالياً "ولا يوم من أيام الملك من خبر رع (تحتمس الثالث)" دلالة على مدى الانهيار الذي طال الدولة وضياع سمعتها في المستعمرات التي كانت تتبع مصر في يوم من الأيام.  


للتواصل مع الكاتب من "هنا" أو من خلال التعليقات


author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات