إذا كنت ترغب في كتابة رواية منضبطة الإيقاع، أو إذا كنت قد بدأت كتابة روايتك بالفعل وأصابك ما يصيب الكتاب من جمود الأفكار المؤقت، أو لو كنت انتهيت من كتابة روايتك بالفعل وفي مرحلة المراجعة فإن سلسلة المقالات التالية عن خطوات ضبط الإيقاع الروائي الـ 15 هي لك دون شك.
وبما أنه معلوم لدى جميع الكتاب والقراء أن الرواية تنقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية، هم (البداية-العقدة-الحل) فنحن سنقوم في هذه المقالات بتقسيم الخمسة عشر خطوة على الثلاثة أقسام بواقع مقال لكل قسم وسنبدأ المقال الأول مع البداية أو ما سنطلق عليه نحن (الواقع ما قبل الأحداث) وسيحتوي هذا القسم على 5 خطوات:
الخطوة الأولى.. المشهد الافتتاحي
يجب صبغ هذا المشهد تحديدًا باللون الأدبي الذي تنتمي له الرواية دون أدنى تأجيل لمثل هذا الأمر فلو كانت الرواية بوليسية وجب تصدير الغموض في السطور الأولى، وإن كانت رومانسية وجب عليك استخدام الكلمات العذبة ، أما لو كانت ساخرة فلا تتردد في إطلاق بعض النكات في المقدمة... إلخ
كما يجب التركيز في هذه المرحلة على ما يسمى (before snapshot) أي وصف حياة البطل الطبيعية قبل تطور الأحداث. وقد نصح كبار الكتاب بفائدة استخدام مشهد مصور مثير ذهنيا (visual) في هذه المرحلة من أجل جذب انتباه القارئ، وهذا لا يعني بالضرورة وجود معركة أو صراع ولكن وجود مشهد حي يصور طبيعية شخصية البطل غير الكاملة.
هنا وعند نقطة (غير الكاملة) تحديدًا ننتقل إلى الخاصية التالية المهمة في بناء قصتك.. ابتعد تمامًا عن الشخصيات البطولية المثالية فالقارئ لا يشعر بالارتباط إلا بالبشر الطبيعيين، ولذلك يجب أن تمنح البطل بعدًا ثلاثيًا لشخصيته بأن تصور لنا الصراع الداخلي للبطل قبل الشروع في معرفة الصراع أو الحبكة الروائية للقصة، فقد يكون البطل لديه مشاعر عدم الأمان، أو قد تعرض لصدمة عاطفية أفقدته الثقة في الجنس الآخر... أو أي نوع من الـ (traumas) ويفضل توضيح هذا الأمر من خلال المشهد الحركي الذي أشرنا إليه سابقًا وليس من خلال سرد نمطي.
مثال: إذا كان البطل يعاني من مشاعر غضب مسيطرة على شخصيته إمنحه مشهدا إفتتاحي يصرخ فيه في الشارع في أحد المارة الذين اصطدموا به أثناء سيره دون قصد.
مثال آخر: إذا كانت البطلة تخاف من الالتزامات الاجتماعية و لديها رهاب من التجمعات إمنحها مشهدا إفتتاحيا تتهرب فيه من الرد على صديقتها المقربة التى تعلم جيدًا بأنها تتصل بها من أجل دعوتها على حفل زفافها.
الخطوة الثانية.. التأسيس الروائي (setup)
بعد أن عرفنا بعض السمات الأساسية لشخصية البطل في المشهد الافتتاحي جاء الآن دور ما يسمى بالـ (setup) ويعني بها الصورة الأكثر وضوحًا لكل من:
١-الحدث المحوري في حياة البطل.
٢-تصوير العالم الذي تدور فيه الأحداث.
٣-ملامح عقبات ومشكلات البطل.
٤-الهدف الذي يريد البطل تحقيقه أو الوصول إليه.
ويجب في هذه المرحلة أن يكون السرد سريعا ذو تفاصيل كافية دون الوقوع في فخ الإسهاب كما أن هذا الجزء لا يجب أن يتعدى 10% من الرواية.
وبتطبيق هذه المرحلة على رواية (me before you) نجد أنه:
١-خسرت لويزا عملها الذي تعيش على راتبها منه.
٢-تحيا لويزا مع والديها كما أنها مرتبطة بشاب ممل و غير قادر على مساندتها.
٣-لا تملك لويزا أي مؤهلات تسمح لها بالعثور على عمل جديد.
٤-تحتاج لويزا إلى عمل جديد بأي وسيلة.
الخطوة الثالثة.. الفكرة الأساسية "لب القضية"
يجب أن لا يلتبس عليك الأمر بين هذه النقطة وبين (الحبكة). فهذه الخطوة هي باختصار شديد جدًا ما يجب أن يتعلمه البطل خلال القصة والذي سيؤدي بالتبعية إلى تغيره من (بطل لديه عيوب) إلى (بطل نجح في تخطي عيوبه). وهذا يعيدنا إلى ضرورة وجود صفات أو أشياء يجب على البطل (غير المثالي) تعلمها واكتشافها. صحيح أننا نقرأ ونحكي الحكايات من أجل التسلية في المقام الأول لكن وجود عظة أو فكرة مؤثرة هو ما يجعل للحكي قيمة ويبعد الرواية عن السطحية.
سأخبرك شيئا سيثير اندهاشك، هل تعلم أن هذه العظة أو الحكمة أو التغيير المطلوب يفضل كتابته بصورة واضحة ومباشرة ودون تورية؟
نعم، كما قرأت ولكنك أيضًا ستحتاج من أجل ضبط الإيقاع الروائي أن تستخدم لسان إحدى الشخصيات الثانوية أو على أقل تقدير صوت البطل الداخلي لذكر هذه العظة.
قد تستخدم النصيحة المباشرة، أو السؤال الاستنكاري أو غيرها من الطرق الأدبية المتسقة مع روايتك. كما أنك يجب أن تظهر مقاومة البطل لهذه النصيحة وإلا ستنتهي روايتك سريعًا جدًا.
هذه الخطوة لا يجب أن تتعدى 5% من الرواية ويمكن تسريبها في داخل الخطوة التأسيسية.
مثال: في رواية "Me before you" تسأل أم البطل لويزا عن ما الذي تريد تحقيقه في حياتها الشخصية. ويظهر هنا اضطراب لويزا حيث لم تكن أبدًا تفكر في حياتها وما تريده وإنما ما يجب فعله من أجل استقرار حياة الآخرين... مما سيؤدي الى تغير لويزا في نهاية الرواية كشخص يهتم لرغباته الشخصية أيضًا.
الخطوة الرابعة.. العامل المحفز في الرواية (الحدث)
هو الشئ الذي لا يمكن أبدًا عودة حياة البطل إلى طبيعتها بعد حدوثه، أو بصيغة أخرى الحدث الجلل الذي سيغير مسار أحداث الرواية. وسواء كان القارئ يدرك هذا أو لم يدركه فهي اللحظة التي ينتظرها القارئ منذ بداية القراءة.
والسؤال هنا هل يجب أن يكون الحدث دراميا مغرقا في السوداوية كحادث يودي بحياة صديق مقرب، تسريح من عمل، انفصال عن حبيب... إلخ؟
الإجابة هي لا، يمكن أن يكون الحدث الجلل شيئا إيجابيا مثل ما حدث مثلا لهاري بوتر من خلال جملة واحدة: "أنت ساحر"، أو ما حدث للويزا التي تحدثنا عنها في الخطوات السابقة في رواية Me before you عندما قابلت ويل ترينور والذي ستتغير بسببه حياتها تمامًا.
الخطوة الخامسة والأخيرة في القسم الأول (جدلية)
وهي الخطوة التي يظهر فيها الجدل أو المقاومة للتغيير الذي أشرنا إليه في الخطوة السابقة، وغالبا ما يأتي هذا الجدل في هيئة سؤال يتم الإجابة عليه بصورة غير مباشرة مثل
-و ماذا بعد؟
-هل أنا مستعد؟
-هل أستطيع؟
ولأن البطل مثل كل البشر يملك من التردد ما نملكه جميعًا فيجب أن يكون هناك بعض التوتر والتراجع والخوف
لا يتم تصوير هذا الأمر من خلال مشهد واحد مثلما حدث في (الحدث المحفز) وإنما من خلال مشاهد متعددة قد تصل إلى 20% من الرواية.
هل يجب أن يكون البطل في هذه الخطوة دائمًا ذي طبع رافض؟
بالطبع لا، لكنه في هذه الحالة سيكون في حالة تجهيز أو استعداد للتغيير الذي يكون دائمًا إما رافضًا له أو خائفًا منه أو غير واثق من قدرته علي خوضه.
ومثال على هذا في رواية هاري بوتر بعدما علم أنه ساحر وأنه عليه الانتقال إلى هوجويرت كان يجب عليه التجهيز لهذه الخطوة من خلال شراء مستلزمات والاستعداد لرحلة لا يعرف ما تخفيه له.
هذه هي الخطوات التي ينبغي الالتفات إليها في بداية كتابة الرواية، وفي المقالات المقبلة سنتناول باقي الخطوات المتعلقة بكتابة باقي الرواية بإيقاع أفضل وأقوى.
للتواصل مع الكاتبة من "هنا" أو الاستفسار من خلال التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب