سيلفيا سمعان
"لا يستطيع أحد أن يزعم أن الله لا يحبنا، فنحن كلنا كنا نسير تحت يد الله الحارسة".. بهذه العبارة قد صرحت إحدى الناجيات من براثن جماعة "بوكو حرام" في نيچيريا الواقعة في غرب إفريقيا، والتي تحدها النيجر شمالًا، وتشاد في الشمال الشرقي، والكاميرون في الشرق، وبنين في الغرب.
تتميز نيچيريا بتعدد المذاهب والأعراق والديانات ففيها الوثنيون والمسيحيون والمسلمون أيضًا، ورغم انتشار الديانات السماوية إلا أن القبائل مازالت ملتزمة بشكل كبير بمعتقداتها القبلية وتقدير الآلهة القديمة وانتشار فكرة تأثير السحر على الأفراد بل وعلى جماعة "بوكو حرام" ذاتها!
في كتاب "المُختطفات.. شهادات من فتيات بوكو حرام"، يقدم لنا الصحفي فولفجانج باور، وبترجمة د. علا عادل، شهادات حية لفتيات قد استطعن الفرار من تلك الجماعة أثناء تدخل قوات الجيش في الغارات التي كانت تشنها على غابة سامبيسا، المخبأ الاستراتيجي التي اتخذته الجماعة مقرًا لها والتي كان الجهاديون يقودون المختطفات إليها لتسكن الأشجار، فكانت معسكرات المختطفات عبارة عن أشجار كثيفة نادرًا ما تنفذ الشمس عبر أغصانها المتشابكة وأوراقها إلى الغابة فامتلأت بالضواري والزواحف المُهلكة التي كثيرًا ما لدغت النساء عند قضاءهن للحاجة أو في نومهن، هذا بالتوازي مع تقرير حول الحركات الدينية المتشددة التي قامت تباعًا في نيجيريا حتى وصلت إلى وحش جسور يدعى ببوكو حرام.
أما عن ضحايا بوكو حرام، فلم تكن فقط قبائل الجنوب التي تتميز بأكثرية مسيحية فقط، بل وطالت قرى الشمال والمسلمون كذلك كما شملت الوثنيين.
لو كنت رجلًا مسلما فلا شيء أمامك إلا خياران لا ثالث لهما، إما الانضمام لهما أو القتل رميًا بالرصاص، بالطبع كانت هناك أساليب للتخلص من المسيحيين أشد قسوة كالنحر والحرق. إنما في النهاية نفس المصير! ولو كنت طفلة أو طفل أو امرأة، فالوضع مختلف كثيرًا فهناك سوق النخاسة وجهاديون يتوقون للزواج من زوجات أُخر غير من يأوونهم أو للتضحية بهم في الأعمال الانتحارية!
الكتاب الصادر عن دار العربي للنشر والتوزيع، مؤلم وصادم، لسان حالي لم يفتر عن شهقة أحاول كتمها أو يأس أحاول محوه سريعًا لاستكمال الصفحات قبل أن تطفر دموعي، ولم أشعر بلساني إلا وهو يتمتم "حبيبتي يا بنتي" مرارًا وتكرارًا 🥺
كانت البداية منذ انطلاق حركة "إيزالا" وهي جمعية نزع البدع وإعادة تطبيق السُنة، ثم حركة اليوسيفيون والتي ضمت المتشددين والمتزمتين دينيًا، الذين التفوا حول محمد يوسف والذي سرعان ما تيقن من سحر تزاوج الدين والسلطة، فاعتمد على عضو برلمان في تنفيذ أهدافه ولم يخرج البرلماني خالي الوفاض، فقد استنفذ ما بجعبة يوسف، فانقلبا للضد!
وبدءًا من ٢٦ يوليو ٢٠٠٩ دخلت الحكومة في حرب مفتوحة مع قوات أنصار يوسف حتى أتت ساعة إعدامه في الثلاثين من يوليو من نفس العام لتصبح نهايته بمثابة ميلاد لجماعة بوكو حرام (جماعة أهل السُنة للدعوة والجهاد)، بقيادة من تفوق على يوسف دمويةً فتحولت الجماعة إلى وحش، أحد أعتى قادة الإرهاب زعيمًا لها، وهو أبو بكر شيكاو، الذي اعتاد في تسجيلاته أن لا يظهر بمظهر الإمام، بل بمظهر الساحر فكان ينحني أمام الكاميرا كما لو أنه يريد أن يتسلل داخل المشاهدين فيشرع في التهديد ثم منفجرًا بالضحك في شماتة. لا يهدد فقط بالفظائع التي يزعم أن الله سخره لتحقيقها بل إنه يستمتع بها بكل خلجاته.
مازالت بوكو حرام محاطة بهالة خاصة من الغموض، فما نعلمه عن بوكو حرام أقل مما نعرفه عن أصحاب السلطة في كوريا الشمالية.
رحلة مؤلمة إن كان في استطاعتك خوضها فلا تتردد فبعد كل اعتراف وشهادة وتصريح ستتمتم بحمد الله أنك حر، لا تباع امرأتك في سوق للنخاسة، أو تؤخذ منك لتزويجها بغيرك، أو لتدريبها لتقوم بأعمال إنتحارية.
كتاب من 277 صفحة، حصل على جائزة أفضل كتاب مترجم بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2019، أدخلني عالما سري مليئ بالقبح والغرائب، أدركته رحمة الله بهؤلاء النساء وأطفالهن، دعوت كثيرًا بفك كربهم وضيقتهم ليكن الله في عونهم وليدركهم برحمته ومعونته سريعًا..
نرشح لك: حصريا.. قصة "موت حلو المذاق" بصوت أحمد القرملاوي
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب