زهراء إسماعيل
منذ ساعات قليلة، رحل عن عالمنا رجل الاقتصاد محمود العربي، صاحب مجموعة العربي، مخلفاً نبأ وفاته حالة من الحزن بين محبيه، ظهر جلياً في صور جنازته المهيبة والتي ملأت المواقع الإخبارية وصفحات منصات التواصل الاجتماعي، وسط كم هائل من منشورات المحبة والدعاء للفقيد.
مع كل الكلمات والتعليقات التي قرأتها عن شهبندر التجار، كما يطلق عليه البعض، كنت أتذكر كلماته ومواقفه التي كتبها في سيرته الذاتية التي نشرتها دار نهضة مصر عام 2015، بعنوان "سر حياتي.. حكاية العربي"، والتي حكى لنا فيها تفاصيل الحكاية كاملة بصدق وتجرد تام، بأسلوب أقرب لأحاديث الجد لأحفاده، الذي كبرنا ولا يخلو بيت من بيوتنا من أحد منتجات مجموعة "العربي" على كثرتها وتنوعها، ولا يكاد يخلو شارع تجاري من أحد توكيلات المجموعة، ولا يخلو متجر للأجهزة المنزلية من منتجاتها.
في عشرة فصول متتابعة يحكي لنا مؤسس إمبراطورية العربي القصة كلها، وأصل الحكاية بتعريف موجز بدون إخلال للعائلة كلها بداية من الأب "إبراهيم العربي" الذي تزوج بأرملة فاضلة ضاماً إليه أولادها الثلاثة، ثم من الله عليه بمجموعة من الأولاد والبنات، وصف لنا الشهبندر كل فرد من عائلته من نشأته وتعليمه وزواجه وأبرز طباعه، فكانت خير بداية، كما يحكي لنا عن بداية عمله بالتجارة وهو طفل ذو ستة أعوام فقط، فاستغل أحد الأعياد واشترى بعض البالونات ولعب الأطفال وقام ببيعها لأطفال القرية محققاً ربحاً بسيطاً ولكنه كان سبباً في تعلق قلبه بالتجارة.
نرشح لك: حصريا.. قصة "موت حلو المذاق" بصوت أحمد القرملاوي
وفي الفصل الثاني كانت بداية العمل في القاهرة، سبع سنوات متنقلاً بين محلات القطاعي في الموسكي حتى كانت اللحظة الفارقة في حياته بقرار جرئ بترك العمل لدى تاجر القطاعي والانتقال لأحد محلات الجملة "شركة النصر"، وبداية مرحلة جديدة تماماً حين سعى مع أخيه الأكبر لشراكة مع أخوين من تجار الموسكي وكانت بداية ظهور اسم "العربي" في شارع الموسكي، بعدها كانت رحلة فض الشراكة مع الأخوين لعدم أمانة الطرف الثاني في الوقت نفسه الذي بدأ انتشار اسم العربي بفضل أمانة وتعاون الإخوة المنضمين تباعاً للعمل، ويضم الفصل أيضاً قصة زواجه المبكر وما تبع ذلك من زيادة الأعباء والمسئوليات وبعض الأفكار البسيطة لأفضل استغلال للطاقات في نطاق العائلة والعمل، بتوالي الفصول نتعرف على أبرز محطات حياة الحاج محمود، من ظروف تجنيده أثناء فترة العدوان الثلاثي على مصر، مروراً بتعامله مع التجار المختلفين وخاصة اليهود منهم وأهم ما تعلمه منهم وأثره على تعاملاته بعدها خاصة الحيل التجارية المختلفة، بداية التوسع الأفقي بإفتتاح محل جديد يحمل اسم العربي وبعدها بدأت مرحلة الانتشار بفضل الأخ "عبد الجيد"، بداية مرحلة الصناعات الصغيرة ممثلة في ألوان بمختلف أشكالها وأنواعها ومساعدة أطفال العائلة في الإجازة الصيفية وبداية تحمل المسئولية في سن مبكر ومن ثم التوسع في الصناعات البسيطة حتى كانت المحطة الأهم لعائلة العربي كلها والحصول على توكيل"توشيبا" الياباني بعد منافسة شرسة وشريفة من قبل عائلة العربي كلها حتى تم توقيع التوكيل.
الطموح المستمر الذي حدا به إلى بداية مرحلة التصنيع، مع أول مصنع كانت الحيرة في المكان ثم كان الاستقرار على التدشين في قويسنا حيث كانت "بنها" المحطة الصناعية الأبرز كاملة العدد، وبعدها توالى تدشين المصانع حتى كان "مجمع قويسنا الصناعي" الذي يضم كل مصانع المجموعة لمنتجاتها المختلفة خاصة بعد تدشين اسم "العربي" مع الحفاظ على توكيل "توشيبا"، نتعرف سوياً على الطريق الذي لم يكن أبدا مفروشاً بالورود وكيف تغلب الشهبندر على الصعوبات المتتالية وأبرزها السيولة في كل بداية تصنيع جديد، تعاون بنك مصر المستمر ودعمه الدائم خاصة مع ازدياد حجم العمل وزيادة الثقة بالمجموعة، ثم يأتي الحديث عن زياراته المتكررة لليابان وأهم ذكرياته لشركاء النجاح في المراحل المختلفة والتي توجت بأهم وسام يمنح لأجنبي في اليابان ويقدم سنوياً لعدد محدود على مستوى العالم "وسام الشمس المشرقة"، ونتعرف بعدها على أبرز إسهامات الشهبندر في الحياة العامة، مروراً بالغرفة التجارية ورئاسة اتحادها والمعارك المتتالية في كل مرحلة وأبرز القوانين التي صدرت في هذه الفترة ورأيه في كل منها خاصة بعد دخوله مجلس النواب عن دائرته الانتخابية، ثم كان الحديث عن "حوكمة العربي" كشركة وكعائلة كنموذج للشركات العائلية فنتعرف على بدايات التفكير في تقنين الأوضاع داخل عائلة العربي بأجيالها المتتالية رغم البداية التلقائية للعمل العائلي بداية من محلات الموسكي والنشاط العائلي في الإجازات الصيفية من الجميع، ولكن كان لابد من قوانين ومنظمة تحكم الجميع في تنسيق مبهر واستغلال أمثل لقدرات كل فرد في عائلة العربي، ثم كان حديث النصائح ونقل الخبرات من جيل لجيل.
أهم ما يميز الكتاب من وجهة نظري هو أمانة الحاج محمود الشديدة في كل ما كتبه، فلم يبخل بنصيحة على مدار صفحات الكتاب ولم ينكر فضلاً ولو لأصغر عامل أو تاجر تعامل معه طول حياته كلها، ولم يبخل بماله أو وقته على أحد سواء في عائلته الصغيرة وبره بأبويه حتى آخر لحظة، أو أهل قريته التي افتتح فيها كثيراً من المشروعات الخيرية أو عائلة "عمال العربي" وتكريم الأوائل المستمر، كل هذا بتواضع شديد وبدون إدعاء فضل بل دائماً ما تتردد كلمة" بفضل الله وبركته حدث كل شيء"، حتى صعوبات البدايات لم يتحرج من سردها كاملة وحتى بعض أسرار العمل لم يبخل بها.
كتاب يمدنا بنظرة جديدة تماماً على حياة الشهبندر، ويجيب الكثير من التساؤلات المستمر في أذهاننا حول "كيف بدأت امبراطورية العربية؟ وما سر شهرة منتجاتها؟ وسبب تعلقنا باسم العربي؟ وما سر كله هذه المحبة والتقدير لذلك الرجل حتى بعد رحيله؟..
** للتواصل مع الكاتبة من "هنا" أو ضع ردا بالتعليقات
مقال أكثر من رائع ومعلومات اعرفها لأول مرة .. تسلم إيدك يا زهرة
ردحذفربنا يسعدك يا نهى...اسعدتيني برأيك جداً
حذفماشاء الله تبارك الله .. عرض مختصر هايل لسيرة شخصية كلنا نأمل نعرف الكتير عنها .. المقال شجعني كتير اني اقرأ الكتاب .. اللهم ارحم الحاج محمود العربي رحمة واسعة .. اللهم وفق زهراء لما تحبه و ترضاه
ردحذفاللهم امين
حذفمتشكرة جدا على رأيك ودعمك يا احمد
مقال رائع بسيط وقريب من وجدان القارئ
ردحذفو ردا علي صيغة السؤال المزيل للمقال أن سبب المحبة الجارفة لشخصية العربي أن شعبنا يحب البساطة ولا سيما أن الراحل رحمه الله كان من أصحاب الأسلوب البسيط الغير متعاملين من بروج عاجية،،، بالتوفيق والسداد
عاجزة عن الشكر...شكرا جزيلا
حذفمقال رائع جدا و محتوى قيم من المعلومات
ردحذف