القائمة الرئيسية

الصفحات

طاهر عبد الرحمن يكتب: يعقوب.. حينما يكتب المؤرخ رواية





يقال دائما بأن التاريخ له آذان وليست له عيون، والمعنى أننا نقرأ عن الحدث التاريخي الواحد عدة روايات متعددة ومتباينة، لكننا لا نرى الحدث نفسه، لأننا - ببساطة - لم نشهده ولم نكن بين حضوره، ولذلك فإن مهمة المؤرخ أو الباحث في التاريخ تكون صعبة للغاية (وربما شبه مستحيلة) عند التأريخ لحدث من الأحداث، حيث يجد نفسه مطالبا بفحص وتمحيص كل الروايات بدقة شديدة، حتى يستطيع الوصول إلى الحقيقة شبه المؤكدة، مع الأخذ في الاعتبار قطعا أنها كلها روايات تصدر عن بشر، يتأثرون بطبيعة الحال بالأجواء المرتبطة بالحدث التاريخي، وحسب موقعهم وموقفهم منه.


ويستطيع كل من يقرأ رواية "يعقوب" للكاتب والمؤرخ المعروف د. محمد عفيفي، الصادرة عن دار الشروق في القاهرة، فهم تلك الصعوبة، شبه المستحيلة، لدور المؤرخ ومهمته.


الرواية القصيرة نسبيا، 122 صفحة في نسختها المطبوعة و98 صفحة في نسختها الإلكترونية، تحكي قصة "المعلم يعقوب" (أو الچنرال يعقوب)، المصري القبطي الذي تعاون مع الحملة الفرنسية على مصر، وكان قائدا لما يسمى بـ"الفيلق القبطي"، وهو شخصية تباينت حولها الآراء واختلفت بصورة كبيرة، فهناك من اعتبره "خائنا" لبلده وطائفته، وهناك من اعتبره "بطلا" ورائدا من رواد التحديث في الفكر السياسي.


تدور أحداث الرواية عن العلاقة غير المفهومة التي ربطت بين بطلها، "التلميذ" وهو دارس للتاريخ، بشخصية يعقوب منذ أن بدأ في التحضير لرسالة الماچستير، وهي علاقة ممتدة وطويلة، حيث تظهر أمامه كل فترة دون قصد أو ترتيب منه معلومات تتعلق بذلك المصري القبطي الغامض، ودوره في سنوات الحملة الفرنسية على مصر حتى وفاته المريبة في عرض البحر، حيث قرر عدم البقاء في القاهرة بعد فشل "حملة النيل" وعودتها مدحورة إلى بلدها.


يقدم لنا الراوي كل ما يتعلق بيعقوب في إطار عدة مستويات، منها الحقيقي من خلال المصادر والوثائق، وأيضا عبر "الخيال" (الأحلام) حيث يبين ارتباط بطل الرواية الوثيق بتلك الشخصية واهتمامه بها، على المستوى الأكاديمي والمستوى الشخصي.


من هو يعقوب بالضبط؟ وما هي أهدافه الحقيقية؟ 


لا تجيب الرواية عن تلك الأسئلة، بل تأخذنا في رحلة طويلة ممتدة من نهاية القرن الثامن عشر حتى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، ومن صعيد مصر إلى فرنسا، مرورا بالقاهرة، بأسلوب مشوق وسريع، نلتقي فيها بأحداث وشخصيات كثيرة، ارتبطت بشكل أو بآخر بيعقوب الغامض وسيرته الملتبسة.


مع تتابع فصول الرواية يكتشف القارىء أن الكاتب يمزج عدة عناصر مع بعضها، عنصر التأريخ (حيث حقائق شبه مؤكدة)  وعنصر الخيال (ليعوّض نقص المعلومات التاريخية، أو تلك المختلف عليها) وعنصر كتابة الرواية في حد ذاتها (وهي الطريقة الأسلم لعرض كل أفكار الراوي دون حدود) وظني أنه نجح في التوفيق بين العناصر الثلاثة بسلاسة وسهولة، رغم بعض الاستطرادات المطوّلة التي لا لزوم لها، خصوصا في الفصول الأولى.





للتواصل مع الكاتب من "هنا" أو من خلال التعليقات


نرشح لك: حصريا.. قصة "موت حلو المذاق" بصوت أحمد القرملاوي

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب