طاهر عبد الرحمن
لا يملك أي قارىء، عندما يطوي آخر صفحة من كتاب الإعلامي أحمد خير الدين الأخير "على بلد المحبوب.. رحلة زمزم الأخيرة"، الصادر مؤخرا عن دار الشروق في القاهرة، إلا أن يندهش من المجهود الكبير الذي بذلك الكاتب في رحلة البحث عن وثائق وأوراق قصة تلك الباخرة المجهولة والمأساة الإنسانية التي عاشها طاقهما وركابها في المحيط الأطلنطي في عام 1941.
ككل قصة مجهولة أو مخفية بفعل الزمن فإن البداية كانت مع خبر صغير عثر عليه الكاتب عن باخرة تجارية مصرية تعرضت للقصف والإغراق في خلال الحرب البحرية بين ألمانيا النازية وبريطانيا العظمى أثناء الحرب العالمية الثانية، أعنف صراع دموي شهده التاريخ، وهو خبر شد انتباهه ودفعه في رحلة طويلة للبحث عن تفاصيلها في أرشيف الصحف المصرية والعالمية ودور الوثائق والوزارات في أمريكا وألمانيا وفرنسا.
وبالطبع فإن أي حدث لا يمكن فصله عن تطورات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلده، ولذلك قدم الكاتب - بصورة شبه بانورامية سريعة وخاطفة (وإن كانت غير مخلة أو مبتورة) للأوضاع التي كانت عليها مصر قبل وأثناء الحرب العظمى، وهو ما كان له تأثير - مباشر أو غير مباشر - على قصة الباخرة "زمزم" ومأساتها من البداية إلى النهاية.
إن مصر وقتها وجدت نفسها رغما عنها وسط دائرة الحرب، وهي التي كانت تحاول أن تتجنب ويلاتها، بدعوى أنها "حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، ولذلك قامت بتنفيذ بنود اتفاقية عام 1936 مع بريطانيا بنصوصها وليس بروحها، ولقد حاول بعض الساسة - وعلى رأسهم الملك فاروق شخصيا - التواصل مع ألمانيا النازية سرا، وقد ظنوه نوعا من أنواع مقاومة الاحتلال البريطاني ومحاولة للتخلص منه، وقد كان الظن أن النصر سيكون من نصيب المحور.
وفي نفس وقت انشغال الساسة بمحاولاتهم اليائسة على القمة كان الشعب المصري - في القاع - يعاني على كل المستويات، خاصة وأن بلده بتطورات الحرب ومعاركها أصبحت - غصبا عنها - واحدا من ميادينها الرئيسية، وهو الذي كان يظن أن بلده "محايدة" بالقول والفعل، كما تقول الدعاية الرسمية وشبه الرسمية وتصرفات حكوماته وملكه.
وككل إمبراطورية لا يهمها سوى مصالحها الاستعمارية فإنها سمحت - في حدود - لمصر أن تقف على الحياد، وذلك ليس حبا فيها ولا حرصا على حياة ومقدرات الشعب المصري، ولكن لأن ذلك الموقف يمنحها كل التسهيلات المطلوبة للمجهود الحربي دون مشاكل أو صراع مع دول المحور، وهو ما حدث في السنوات الأولى من الحرب.
كانت التسهيلات التي حصلت عليها بريطانيا في مصر هائلة، ولقد امتدت لتشمل كل شيء تقريبا، وبالطبع لم يكن الأسطول البحري التجاري المصري بعيدا عن يدها، فمع استهداف البحرية الألمانية لكل قطع الأسطول البريطاني، تجاري ومدني وعسكري، فإن السلطات البريطانية لم تتردد في استخدام ما تملكه مصر من بواخر خدمة لها، اقتصاديا وعسكريا، حتى وجدت سفينة تجارية مصرية نفسها عرضة للقصف والإغراق في عرض المحيط الأطلنطي، ووجد بعض المواطنين المصريين (المدنيين) أنفسهم أسرى في معتقلات النازية الرهيبة، توفى منهم اثنان وعاد الباقون بعد انتهاء الحرب.
وهذه هي القصة التي أعاد سردها لنا أحمد خير الدين في كتابه الصغير (186 صفحة في نسخته الإليكترونية) بأسلوب مشوق وجذاب، لا يمل منه القارىء.
رائع جدا يا أستاذ طاهر، مهتم فعلا أقرأ الكتاب دا
ردحذف