مروة محمد
كلما اقتربت أكثر من الحقيقة، تضاءل حجم الحياة لديك، وما تخبئه من أسرار. قد تبدو للبعض أنها مهمشة، وتبدو للبعض الآخر ركن أساسي، كي تكتمل هذه الحياة.. ربما ترسم هذه الأسرار حياة زائفة، تتلون حسب طبيعة البشر، وعلى النقيض قد تكون هذه الحياة حقيقية. تتعرى تلك الحقيقة صوب أعيننا، من خلال رسائل يكتبها البشر لبعضهم البعض، ليعبروا عن ما يدور في خواطرهم، ليفرغوا كل ما يختبئ بمكنون قلوبهم، ولا يهم إذا كان هناك من يقرأ هذه الرسائل أم إنها تكتب فقط، وتظل خبيئة داخل أدارج صندوق الرسائل.
يظل الإنسان يكتب هذه الرسائل على أمل أنها ستصل يوما ما إلى المرسل إليه، حتى إذا رفض واقع حياته هذا الأمل، فيتعلق بأي شيء أيا كان ليجعله يستمر فى كتابة هذه الرسائل.
رواية "بالحبر الأزرق" للكاتب المبدع هشام الخشن، تبدو بمثابة رحلة خاصة في تاريخ مصر، تحديدا في العصور الخديوية المتتالية، وما شهدته مصر من أحداث وتغيرات جذرية وثورات فى هذه الحقبة التاريخية غيرت من مصر و المصريين بشكل كبير.
سطور وصفحات الرواية ممتلئة بعبق التاريخ، والأصالة المفعمة بالرقي في أفعال البشر وردود أفعالهم تجاه المواقف التي يتعرضون لها. تكشف لنا الرواية حقيقة الإنسان، وما تخبئه النفس البشرية، توضح لنا تاريخ مصر لتقترب بعدسة مكبرة من فترات تاريخية هامة، غيرت من حياة المصريين، دفعتهم نحو طريق الحرية والاستقلال، حفرت بداخلهم المعنى الجوهري للانتماء، عرفوا من خلالها جوهر الوطنية ومضمونها. الكتابة هي وسيلة للتعافي من آلام الحياة، وعامل مساعد للعبور لبر الأمان، وطريقة حية للتعبير عن المشاعر. من خلال رسائل ليديا ستون، نبحر فى فترة هامة من تاريخ مصر، ونتعرف على توابع تلك الفترة وتأثيرها على الشعب المصري.
في رسائل ليديا ستون تتعرى أمامنا حقيقة البشر، فهم يستظلون بظلال رمادية اللون، تكاد تنهار فوق رؤوسهم من كثرة ما تحمله نفوسهم من هموم لا حصر لها.
نكتشف فى هذه الرسائل أهمية اتخاذ القرار في الوقت المناسب، ومدى تأثير بعض القرارات على مصائر حياتنا، وحرماننا من أبسط حقوقنا فى الحياة، بل إنها تخلق لنا حياة على غير هوانا، فنضطر أن نقبلها ونتقبلها رغما عنا على حساب سعادتنا بحجة حماية من نحب من شرور الحياة.
سأستمر في الكتابة لعلها تداوي ما بي من ألم وجرح، وسأظل حالمة بيوم تقرأ فيه ما سجلت من مجريات حياتي ربما يقلل ذلك مما حرمتك منه
برع الكاتب "الخشن" في سرد فترة تاريخية مهمة، مما جعلنى أشعر بمتعة القراءة، وتولد لدي رغبة شديدة وإلحاح في البحث أكثر عن هذه الفترة التاريخية.
انتقل الكاتب ببراعة وإتقان في الخط الزمني لأحداث الرواية، وهذا ساعدنى على ربط الأحداث ببعضها مع أبطال الرواية وعدم الشعور بالتشتت.
يمثل المكان فى رواية بالحبر الأزرق، أحد أهم أركان الرواية الرئيسية، فلعبت الأماكن دورا بارزا فى التعبير عن الأحداث، ونقلها للقارئ وكأنه فى رحلة شيقة ممتعة للغاية تبدأ فى لندن، مرور بالقسطنطينية، ووصولا إلى باريس وتونس، وانتهاء الرحلة واستقرارها فى القاهرة. كما أن اللغة كانت بديعة ومميزة، غلب عليها طابع الشاعرية، تبدو وكأنها مقطوعة موسيقية لبيتهوفين.
بالحبر الأزرق هي رحلة عبر آلة الزمن، لاكتشاف العصور الخديوية المتتالية، و استكشاف عالمهم، ومدى تأثير هذه الفترة على مصر، هي مغامرة من أجل التعرف على أنفسنا بشكل واعٍ. حالة إنسانية لإدراك مدى ضعف الإنسان أمام من يحب.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب