يوسف الشريف
سليم موسي العشي أو دكتور داهش، هل سمعت هذا الاسم قبل صدور تلك الرواية؟ بالطبع لا، فقد محى العالم آثار هذا الرجل الذي جاء في زمن ما ليحذر الناس ويهديهم. ولكن ها هو يظهر من جديد متمثلا في صورة الطبيب والكاتب المصري سامح الجباس.
الكاتب في تلك الرواية البديعة الصادرة عن دار العين للنشر والتوزيع، استعاد سيرة هذه الشخصية الغريبة، ليفسر ويوضح ويسرد بعض الأمور التي قيلت أو المتعلقة أو التي تحوم حول شخصية الدكتور داهش. ولكن قبل أن نبدأ معاً في قراءة بعض سطور الرواية لا بد أولاً من أن نسأل بعض الأسئلة الهامة للغاية، ويجب أيضاً أن تجاوب على هذه الأسئلة بصدق شديد حتى ولو بدت لك الأسئلة سهلة الإجابة.. هل أنت محب للخير؟ وتحب الناس كافة على اختلاف أشكالهم وألوانهم واعتقاداتهم؟ أي أنك تهتم بالإنسان فقط دون أن تنظر إلى أي شيء آخر؟!
إذا كانت الإجابة بنعم فلتأتي معي لنكمل الحديث عن بعض النقاط داخل الرواية. ولكي نتحدث عن الفكرة الأهم في الرواية من وجهة نظري، لا بد أولاً من أن نعرف ما هي رسالة "سليم العشي" أو دكتور "داهش" بطل الرواية؟
"في 23 آذار/ مارس 1942 أعلن الدكتور داهش في بيروت رسالة روحية دعا فيها الناس إلى الأخذ بجوهر أديانهم بعيداً عن قشورها أو مظاهرها الوثنية، كما دعاهم إلى الأخوة الإنسانية على تباين الأعراق والقوميات".
هكذا ببساطة تطرح الرواية بعض الأسئلة التي لا يحب أحد الاقتراب منها أو مواجهتها، ولكن من ضمن الإجابات التي عثرت عليها لتلك الأسئلة المشتتة المتصارعة المقتحمة لعقلي أثناء قراءة الرواية، أن أي دين جاء لشيء واحد فقط وهو خدمة الإنسان. أي أن الدين جاء ليضع للإنسان بعض الأمور والضوابط التي تنفعه وتعلي من إنسانيته وترتقي به وتجعله إنساناً حقيقيا محباً لكل من حوله ويحاول جاهداً أن ينفع نفسه ومن ثم ينفع الناس، هذا هو جوهر أي دين ولا سيما جوهر الأديان السماوية أو الإبراهيمية.
وقد جاء الدكتور داهش ومن بعده كاتبنا المبدع سامح الجباس ليقولوا لنا ويلفتوا أنظارنا إلى شيء ربما لا يلاحظه كثير منا، وهو أننا للأسف ابتعدنا عن تلك الجواهر، أي أننا بالتدريج أخذنا نبتعد عن جوهر الإيمان الحقيقي، وجوهر الدين الذي هو مليء بالمحبة والأخوة والصفاء ومنفعة الناس وأخذنا نتمسك بالظواهر، ونشكل بعض تلك الظواهر علي حسب عادتنا وأهواؤنا ونستميت في الدفاع عنها.
"الداهشية إذن رسالة إلهية تهتم بلباب الدين لا بقشوره فهي تحترم جميع الأديان المنزلة وتريد من الذي ينتمي إليها أن يطبق الأقوال السماوية عمليا لا نظريا"
إذن عندما ظهر سليم العشي ليقول رسالته وأفكاره وسط عالم أصبح يتمسك بظواهر الأمور ويعبدها وكأنها جزء من الدين والإيمان الحقيقي كان لا بد أن يضطهد من البعض وأن يؤمن بأفكاره البعض. وهؤلاء المؤمنين بتلك الأفكار قد عانوا في سبيل إيمانهم هذا ودفعوا الكثير من التضحيات فنجد أن من بين المؤمنين أناس على درجة رفيعة من العلم والثقافة فنري الأديبة الرسامة (ماري حداد)، والشاعر (حليم دموس)، والطبيب (جورج خبصا)، والأستاذ الجامعي (غازي براكس).
ولكن سؤال واحد لم أجد له إجابة، كيف استطاع سليم العشي أن يقوم ببعض المعجزات؟ نعم فقد كان يقوم ببعض الأمور الغريبة التي لا يمكن أن يصدقها العقل، وقد أتخذ من هذه المعجزات المدهشة دليلا على أن الله يتبني رسالته وأفكاره. فهل هذه حقيقة؟
الحقيقة أن جوهر أفكار ورسالة دكتور داهش والتي أشرنا إليها من قبل لا يمكن أن يرفضها شخص مؤمن حقيقي، فتلك الأفكار يمكن أن تجنبنا خوض الكثير من الحروب التي أدت إلي تفكك الكثير من الأمم وإسالة بحور من الدماء. فهي رسالة توعية وتنبيه للعالم ولهؤلاء الذين يتمسكون بالظواهر ويدافعون عنها وكأنها الدين أو من يتمسكون بآرائهم ومعتقداتهم حتى الموت ويظنون إنهم على صواب والباقيين على خطأ والباقيين هؤلاء الذين لا يفعلون مثله يجب قتلهم أو موتهم أو إبادتهم من العالم.
وإذا تتبعت معي تاريخ الحروب في العالم وتاريخ النزاع الدائر بين الإنسان وأخيه الإنسان ستجد أن كل الحروب والمنازعات تأتي من هذا التمسك الزائف ببعض الأفكار السطحية المادية السخيفة على اختلاف شكلها أو أسمها، فهناك من يحارب من أجل المال أو لأنه أبيض والباقيين أصحاب بشرة سمراء أو العكس، أو لأنه يختلف عن الآخرين دينيا وفكريا. فإذا عدنا إلى أفكار دكتور داهش نراها أفكار أو رسالة سلام للعالم.
وفي الوقت الذي صرح سليم العشي وقال تلك الأفكار التي تضمها رسالته، كان العالم في حالة حرب، وقد تشبعت الأرض بدماء أناس من مختلف الأجناس والشعوب والأديان. فقد أعلن سليم العشي عن رسالته تلك في عام 1942 حيث العالم يقتل بعضه البعض في حرب عالمية أي حروب دائرة لا يعرف أحد لماذا تجري؟ ومن مصلحة من أن تظل إراقة الدماء مستمرة؟!
ولذلك كل شيء في رسالة الدكتور داهش منطقي وطبيعي، ولكن الغريب هي تلك الأفعال أو الخوارق والمعجزات غير المنطقية، فهل كان داهش حقاً مدعماً بجنود لا نراها من الله يساعدونه في تحقيق أفكاره ومبادئه؟ ولكن إذا كان ذلك فلماذا ذهبت أفكاره أدراج الرياح بعد موته واختفت سيرته تماماً؟ أم كان الدكتور داهش متعاونا مع قوي خفية يستطيع من خلالها عمل أشياء خارقة منافية للعقل الإنساني؟! هذه ليست من الأسئلة المهمة بالنسبة لي.
فأنا لن يفرق معي سليم العشي أو المعجزات التي فعلها على قدر ما أثر في أفكاره تلك، التي نادى بها كثيرون قبله، وسينادي بها كثيرون بعده. ولأننا هنا نتحدث عن تلك الرواية بالتحديد فلا بد أن نشيد بجرأة كاتب تلك الرواية الجريئة سامح الجباس، وأن نشكره على مجهوده في أن يكتب رواية بمثل تلك الأهمية بأسلوب سرد ملهم وسلس ومبتكر وأن يستخدم ويسخر كل التفاصيل والمعلومات المحيطة بروايته مهما بدت صغيرة.
ولذلك أرى أن نهاية الرواية حين وصف الكاتب نفسه بسليم العشي، جاءت موفقه تماماً حيث نادت أحد أبطال الرواية علي الكاتب وقالت له يا سليم، ولم تقل له يا سامح. ولذلك تأكد لي صدق رؤيتي وهي أن الكاتب يريد أن يقول إننا بحاجه إلى استعادة تلك الأفكار وليس من الهام أن نتحدث عن شخصية سليم العشي ولكن لا بد أن ننادي بنفس الأفكار سواء على لسان سليم العشي أو سامح الجباس أو شخص آخر لا نعرفه الآن وربما يظهر بعد حين.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب