القائمة الرئيسية

الصفحات

تاريخ مصر الحديث في عيون الصحافة الأمريكية.. قراءة في كتاب "ما خفي"


يوسف الشريف

إذا أردت أن تعود إلي الكتب والمراجع لتقرأ عن تاريخ مصر منذ تولي الملك فاروق حكم مصر، وحتي وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، لن تجد مرجع بعينه تستطيع أن تقول عنه إنه محايد أو موضوعي، فكل كاتب ومؤرخ يميل إلى فترة من الفترات، فمن يحب أو من يميل إلي مصر الملكية، يقول إن مصر كانت في هذا العصر من أجمل بلاد العالم، وأهلها يعيشون في نعيم، بالإضافة إلي أن حدود مصر كانت تمتد لتشمل السودان، وهذا يجعل مصر تحافظ علي مواردها المائية، وبعضهم يتمادى ويقول إن مصر كانت دولة من أغنى بلاد الأرض، وسيقول لك فلتمشي في شوارع وسط البلد لترى كيف كانت بلادنا جميلة راقية بلا عشوائيات. أما من يحب مصر الجمهورية، سيقول لك أن عبد الناصر هو أفضل رئيس جمهورية جاء في تاريخ مصر، وسيقول إن الثورة التي جاءت بعبد الناصر إلي الحكم، كان لها مبادئ وأهداف عادت بالخير على مصر والمصريين مثل، مجانية التعليم، والإصلاح الزراعي، والسد العالي، والقضاء على الإقطاع، وإلغاء الطبقات، وما إلى ذلك.


ولكن ماذا لو ذهبنا إلي مراجع أخري غير عربية، وبالتحديد إلى الوثائق والصحف الأمريكية، التي تتحدث عن تلك الفترة، منذ جلوس الملك فاروق علي عرش مصر في 1937، وحتى وفاة عبد الناصر في 1970. الحقيقة إنني كنت لا أظن أبداً أن رأي الصحافة الأمريكية سيكون بمثل هذه الموضوعية التي تتفوق كثيراً في مناقشتها وتناولها للموضوع على الصحافة المصرية. وبالتحديد في رأي الصحافة الأمريكية تجاه عبد الناصر، فكلنا نعلم مدي التوتر الذي كان بين عبد الناصر وأمريكا، ولكن الحقيقة إن هذا التوتر في العلاقات المصرية الأمريكية لم يؤثر في رأي الصحافة الأمريكية وهو ما تناوله بشكل مميز كتاب "ما خفي.. مصر بين فاروق وناصر في الصحافة الأمريكية" الصادر حديثا عن دار العين للدكتور أسامة حمدي، الذي بذل مجهودا كبيرا في جمع كل تلك الوثائق التي في غاية الأهمية، وكذلك لا ننسي أن نشكر المترجم مصطفي عباس الذي قام بترجمة الوثائق والصحف الأمريكية.


يعود الكتاب إلى فترة تولي الملك فاروق حكم مصر، لنرى أن عملية تنصيبه ملكا للبلاد كانت أشبه بالمسرحية الهزلية، فمصر منذ عام 1914 وهي تحت حماية الملك جورج السادس ومن ثم هي تحت احتلال بريطاني، حتي بعد معاهدة 1922  مصر لم تتخلص من الاحتلال، فقد كان على أرضها أكثر من مئة ألف جندي أجنبي، أي أن المعاهدة كانت تخدم في المقام الأول مصلحة المحتل، وهذا الاحتلال كما قام بتنصيب السلطان فؤاد الأول سلطانا على مصر ومن ثم قاموا بتنصيب ابنه الشاب المراهق فاروق ليكون ملكا لمصر والسودان، لكن من الطريف أن السودان يحكمه في واقع الأمر الحاكم العام البريطاني، وأن الحاكم الفعلي لمصر كان السير "مايز لامبيرت" وهو المفوض السامي البريطاني، وهذا يجعلك تتساءل إذن، ما دور الملك فاروق؟ وهل حقاً كانت مصر دولة حرة مستقلة؟!


وفي الكتاب يقول أحد الصحفيين الأمريكان عن الملك فؤاد:

"بيد أن المرحوم صاحب الجلالة كان شخصية مصرية قوية بشكل واضح، إلا أنه اضطر في بعض الأحيان أن يتصرف كأنما هو تابع لبريطانيا يحظى بالقبول". 


لم يتوقف الأمر عند الاحتلال والسؤال. من حاكم مصر الحقيقي؟! فنرى داخل الكتاب أن الأمريكان أنفسهم منبهرين بين أسلوب حياة الطبقة الغنية من المصريين، وبين حياة أغلب المصريين، وأن الملك كان يعيش في رفاهية، ولا يضع ولا يحمل على عاتقه أي هموم يعاني منها وطنه، ويتساءل أحد الصحفيين الأمريكان قائلاً:

"لماذا نحرص علي تحسين العلاقات مع بلد يسوده الظلم الاجتماعي؟ لماذا تغيب بوادر الثورة بين 19 مليوناً معدماً، وقد طال العهد بهم وأمسي مستوي العيش لديهم لا يليق بالبشر؟!"


فالأمر لم يتوقف فقط عند بلد يحكمها المحتل الأجنبي، بل أن مصر كانت تعاني من تفاوت ملحوظ بين الطبقات، فقد كانت فئة قليلة هم أصحاب الأراضي هؤلاء يملكون الأرض ومن عليها وكذلك يملكون المال داخل مصر، وكان باقي الشعب وأغلبه مجموعة من البشر الحفاة الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال والفقر والجهل والمرض، حياة كما وصفها الصحفي الأمريكي لا تليق بالبشر.


وهكذا كانت كل الطرق مؤدية إلى الثورة، وبعد أن قامت الثورة، نرى أحد الصحفيين يتساءل عن الطريقة التي سيستطيع بها هؤلاء الضباط الذين قاموا بالثورة من إخراج كل هؤلاء المصريون من ظلام الجهل والفقر؟! فحاكم مصر أو الذين قاموا بالثورة بحاجة إلي معجزة.


وفي الكتاب نرى صعود عبد الناصر وظهوره على مسرح الأحداث، حتى أن كل الصحف كانت تتحدث عن إنه الحاكم الفعلي لمصر، حتى ولو كان محمد نجيب هو رئيس البلاد، ويسرد الكتاب عددا من الأحداث المتعلقة بعبد الناصر، وعن طفولته وتحليل شخصيته، فتقول الصحف عنه إنه شخص متمرد وثائر بطبيعته منذ طفولته وهو متمرد على العادات والتقاليد والأشياء التي كانت محيطة به ويذكرون بعض المواقف التي مر بها عبد الناصر وهو في طفولته التي تؤكد وجهة النظر هذه.


في ذلك الوقت كان الجميع يملك سؤالا واحدا، هل حقاً سينجح عبد الناصر؟!، الحقيقة أن الكتاب يذكر لنا الكثير من إنجازات ناصر، واندهشت عندما رأيت بعض الإنجازات التي لم يأتي ذكرها ولو حتى في مصر. فبعيدا عن الإنجازات المعروفة والتي يأتي ذكرها دائما، نرى كيف حاول عبد الناصر تجميع وتوحيد صفوف الشعوب العربية وهو شيء لو تعلمون عظيم، كما ذكرت الصحف الأمريكية إن من العقبات التي تقف أمام عبد الناصر في تحقيق حلمه الطموح هو خوف بعض حكام العرب من أن يحتل ناصر مسرح الأحداث بأكمله ويكون هو بطل الحكاية ويكونوا هم على الهامش، ومن وجهة نظري إن انشغال عبد الناصر بالقضية العربية كان من أهم أسباب هزيمة 1967 تلك التي قصمت ظهر عبد الناصر، فعبد الناصر الذي أصبح مهموماً لا بمشاكل مصر فقط بل بمشاكل العرب أجمع كان من الصعب عليه وعلى أي إنسان أن يحارب علي أكثر من جبهة، هذا بالإضافة إلي وجود تنظيم كالسكين في ظهر ناصر وهم جماعة الإخوان المسلمين الذين حاولوا اغتياله، والذين كانوا يحاربونه داخل بلده، باسم الدفاع عن الدين، وكذلك ثقة عبد الناصر الزائدة في بعض من حوله، كلها أشياء أفضت إلى النكسة، وقد تأثرت كثيراً وأنا أقرأ الصفحات التي تسرد وفاة عبد الناصر، الذي مات صغير السن والذي حاول رغم صغر سنه وقلة خبرته، أن يوحد شعوب مثل الشعوب العربية وبالنسبة لي لو لم يكن ليفعل غير هذا فيكفيه شرف المحاولة. 


الحقيقة إن الكتاب هام للغاية، لكل من يحاول البحث والسعي خلف الحقيقة، ولكن لا تنسي بعد قراءتك للكتاب، أن تدعوا بالرحمة للملك فاروق، ومحمد نجيب، وجمال عبد الناصر.



author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. بالتأكيد مصر كانت دولة تحت الاحتلال والحاكم الفعلى هم الإنجليز.
    والتفاوت الاجتماعى كان هائلا وكان الوضع ينذر بثورة ولكن الذى حدث هو انقلاب واتخذ إجراءات ثوريه وكانت السبب فى جعل رؤوس الأموال تهرب بثروات البلاد إلى الخارج.

    ردحذف
  2. أنشئت جامعة الدول العربية فى عهد الملك فاروق وكانت لتحقيق زعامة من الملك للوقوف ضد الإنجليز .فاستغلها ناصر لتحقيق الزعامة لنفسه و لانقياد الدول العربيه وراءه ولتحقيق رؤيته هو وأفكاره
    وليس لتحقيق التكامل والوحدة.
    أما مشروع السد العالى فهو مشروع عظيم.وقد كانت امريكا محقة فى دراستها للاقتصاد المصرى بعدم كفاية تمويل السد فكانت الفكرة المجنونة بتاميم القناة
    التى كانت الذريعة لهزيمتنا عسكريا أمام إنجلترا وفرنسا وإسرائيل ولولا الاتحاد السوڤيتى وإثبات نفوذه لكان أمرا اخر .
    الاجراءات الثورية لناصر نجحت فى شقلبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ونجحت فى زيادة الطبقة الوسطى للمجتمع بشكل مفاجئ طوال فترة حكمه.

    ردحذف

إرسال تعليق

شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب