علي خلف
لطالما آمنت بأهمية الحكايات والأساطير الشعبية فهي بالنسبة لي ذاكرة الشعوب والدرع الحصين لحفظ شخصية الشعوب من الاندثار.
لا أحد يعلم المؤلفين الأصليين لهذه الحكايات التي قدمها الأديب الروسي الكسندر افاناسييف، وترجمتها إلى العربية المترجمة رولا عادل، تحت عنوان "بابا ياجا.. حكايات شعبية روسية"، الصادر عن دار كتوبيا، لكن تم تناقلها عبر الأجيال وحكايات الجدات فتارة يتشابه جوهر بعض الحكايات وتارة تختلف النهايات لنفس الحكاية لتتكون فسيفساء من إبداع العقل الجمعي للخيال البشري. دائماً ما كانت تُستَخدم الحكايات الشعبية لتنشئة الأطفال على الخصال الحميدة وتنفيرهم من الأخلاق السيئة.
"تُمثل بابا ياجا الصورة الرسمية للساحرات في التراث الروسي، ظهرت في حكايات التراث القديمة، وما زالت تظهر حتى في الحكايات الحديثة كرمزٍ من رموز الشر، المكر أو الحكمة في بعض الأحيان، ولهذا سُمِّيت بالبابا ياجا، وهو ما يعني: «الجدة ياجا» بالروسيِّة".. تظهر بابا ياجا في أكثر من قصة في هذه المجموعة بكوخها الذي يستند على قدمي دجاجة وكانت تختلف بعض طباعها تبعاً للقصة المذكورة فيها.
سنلاحظ بعض سمات الروس من هذه الحكايات فلديهم إيمان عميق بانتصار الخير على الشر في النهاية مهما طال الزمان، بجانب حتمية الأقدار التي نحاول التملص منها فتصبح محاولاتنا هي السبب في تحقيق تلك الأقدار كما في قصة "الصبي صاحب النبوءة".
لاحظت دوماً أن الشخصيات الخيّرة هي شخصيات عملية لا تُكثِر الشكوى أو النحيب بل سرعان ما تتقبل المصائب والعقبات وتبحث عن مخرج أو حل لها وكلما زادت المصائب لم تفتر عزيمتهم على حلها كما حدث في قصص "فاسيليسا الجميلة" "رجل الثلج العجوز"، و"الاثنا عشر شهراً".
ربما لم تكن لتحدث هذه القصص لولا أن شخصياتها شخصيات شجاعة تتقبل مصاعبها وأقدارها بصدارة رحب وتحاول البحث عن الحلول حتى لو سافروا لبلدان بعيدة أو عاشوا وحدهم أو قاموا بمهمات شبه مستحيلة فلو أصابهم التردد لما حصلوا على نهايتهم السعيدة كما ورد في قصة "بابوشكا" السيدة العجوز الطيبة التي كانت تشكو وحدتها لم تملك صديقاً أو جاراً أو حتى عائلة حتى زارها في يوم من الأيام ثلاث رجال تبدو عليهم هيئة الملوك وطلبوا أن تستضيفهم لليلة واحدة وهو ما فعلته عن طيب خاطر فعرضوا عليها مرافقتهم في رحلتهم لكنها ترددت وضيّع عليها ترددها فرصة لقاء إحدى أهم شخصيات التاريخ.
ينظر البعض للروس على أنهم شخصيات متجهمة وباردة لكن لم أشعر بذلك في قصصهم التي كانت تنبض بالعاطفة والقصص الساخرة الأقرب للكوميديا السوداء كقصة اللص وثمرات الخيار التي تقول الآتي
"تسلل لصٌّ يومًا إلى حديقة طامعًا في سرقة بعض ثمرات الخيار، نظر اللص إلى الثمرات الناضجة وفكَّر:
- ستمتلئ حقيبتي حالًا بثمرات الخيار، سأبيعها وأشتري بثمنها بعض الدجاجات، سأطعمهن جيدًا حتى تضع كل منهنَّ بيضة، وسأعتني بالبيض حتى يفقس وتشب أفراخه وتُصبح دجاجات سمينة، أبيعها وأشتري خنزيرًا، أُسمِّنه فيصبح ضخمًا، فأبيعه وأشتري مُهرًا وأزوِّجه وينجب لي مُهَرًا أبيعها وأشتري بثمنها بيتًا كبيرًا فخمًا له حديقة غنّاء، أزرع فيها مختلف أنواع الخضروات، وخصوصًا ثمرات الخيار، وسآتي بحرسٍ ليحرس حديقتي فلا يستطيع أحدٌ أن يسرق ثمرات خياري، وسأصرخ فيهم لكي لا يتكاسل أحدهم، وإن انفلت من تحت عيونهم لصٌ سارق، سأزعق فيهم قائلًا: - أنت هناك.. احرس ثمرات الخيار جيدًا.
وإذ انبهر اللص بكمال خطته وبديع حُلمه، فأفلتت العبارة الأخيرة من اللص بصوتٍ عالٍ جهور فسمعه حراس الحديقة فأشبعوه ضربًا".
حينما انتهيت من قراءة الكتاب علمت لماذا فاز بجائزة أفضل ترجمة في معرض القاهرة لعام ٢٠١٨ فالكتاب بالأساس قصص شعبية موجهة للأطفال وفي الغالب تكون قصص الأطفال ذات طابع يميزها حيث يتم استخدام الكلمات ذات الوقع الموسيقي المتشابه لإضفاء حالة من الموسيقى تجذب انتباه الطفل وتعلق في دماغه وهو ما برعت به المترجمة في إيجاد حلول لهذه المعضلة ونقلها للغة العربية مع الحفاظ على الروح الموسيقية في بعض القصص والتي كانت جلية في قصة "السيدة ثعلبة" وقصة "رجل الثلج العجوز".
للتواصل مع الكاتب من "هنا"، أو من خلال التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب