يوسف الشريف
في نص لغته مستمدة من الكتب المقدسة وعلى رأسها القرآن الكريم، وكتب التراث وتحديدا كتب الصوفية. لا يطرح الكاتب أحمد الفخراني، فقط همومه وأسئلته الشخصية بل يقدم أهم الأسئلة التي خطرت على عقل إنسان منذ هبوط آدم إلى الأرض.
السرد المتشابك المتأمل الممزوج بكثير من الخيال والسحر ولمسة الجنون التي لا تنفصل عن الواقع، في رواية "بياصة الشوام"، الصادرة عن دار العين للنشر والتوزيع، نرى تأملات بطل الرواية الذي لا يبدأ بتأمل نفسه كإنسان جاء إلى الدنيا كبصقة، وهذا أول إدراك لحكمة ما، وبداية السؤال، لينطلق البطل في تأمل كل الموجودات، بداية من خلق السماوات وحتى غريزة الجنس.
أنت هنا أمام الإنسان الذي أدرك مدى ضعفه ووهنه وسط عالم كبير هو فيه ضئيل جدا، هذه درجة من الحكمة تبدأ أنت في إدراكها. فبعد أن يشعر هذا الكائن بضعفه بالتأكيد لن يجد معين في هذه الأرض ولكن لديه من في السماء، وهنا يأخذ البطل خطواته الأولى في طريق البحث عن الكمال لا الوصول إليه.
وهذه النقطة تحديدا تطرح الكثير من الأسئلة أولها هل سيستطيع هذا الكائن الذي يحتوي على كل أشكال الضعف أن يصل إلى الكمال؟ وما هو مفهوم الكمال؟! وهذا يطرح سؤالا آخر عن جدوى الحياة فيقول البطل داخل الرواية: "أخلق الإنسان لشيء سوى أن يقاوم الوسخ؟".
هنا يبدأ هذا الإنسان في محاربة كل ما يحيطه من قاذورات، ولكنه كلما حاول محاربة تلك القاذورات ومنها شهواته الدنيئة لا يستطيع لضعفه ولوجود النفس فنراه يقول: "كل إنسان يملك عينين ولسانا وشفتين ونفسا مسلطة تأمره بالسوء، عليها أن تتخطى العقبة".
فالإنسان لا يحارب فقط من الخارج حيث الشهوات التي تقع في طريقه بل يتم محاربته أيضا من الداخل، وأن حرب الإنسان الحقيقية هي حرب مع نفسه وذاته الأمارة بالسوء، ويبقى السؤال، الذي يقودك إلى أسئلة أخرى، هل يستطيع الإنسان أن ينتصر على شهواته وعلى نفسه؟ هذا هو سؤال الحياة، فمن أدرك إجابته فقد أدرك شيئا من الحكمة، ويحاول الكاتب في الرواية أن يطرح ويثير التساؤلات أكثر من الإجابة عليها، ليشتبك القارئ مع الكاتب في رحلة البحث اللانهائية.
بالطبع هنا أنت عرفت أن الكاتب لا يطرح فقط أسئلته وهمومه الفلسفية بل يطرح هموم كل إنسان، على وجه هذه الأرض، هذه رواية عبقرية ممتعة تستحق الاحتفاء والتقدير، الكاتب أبدع في أن يطرح كثير من الإشكاليات والاسئلة الفلسفية العميقة بشكل بسيط ومتأمل وبقصة وحبكة ممتعة، عن بطل هو نحن، الإنسان الذي خلقه الله، وتكمن فيه كل هذه الأسئلة.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب