في قريتنا الصغيرة كان المزارعون يسهرون ليلًا على حِراسة محصول الذُّرة الشامية، من اللصوص. تطهو كل ربة منزل من الطعام ما لذ وطاب وترسله مع أحد الأبناء بعد أذان العشاء إلى زوجها في الحقل.
القصة العجيبة التي ما زالت تتردد في النجوع أنّ سيدة اعتادت تجهيز صينية معتبرة كل يوم لزوجها، مرة لحم بط، ومرة أوز، وبعدها دكر رومي، وهكذا تفوح الروائح الشَهِيَّة من حقل الرجل المحظوظ كل مساء.
أَثارَ الأمر حفيظة الجيران الذين يأكلون العدس والجبَّن القديمة أم دود، في حين أن صاحبنا يتهنى باللحوم والمحمر والمشمر، فقرروا أن ينفذوا فيه مقلب.
لبِد أحدهم "مقمّبِرا" في بداية الطريق الّذي تسير عليه الصينية، وعند مرور الفتاة ابنة صاحبنا تحمل الطعام الشهي لوالدها فتأملها الرجل بعينيه وسألها:
- رايحة فين يا شاطرة؟
- هنكهيتي أودي العشا لأبويا.
- طيب خلي عنك أنا هوصله وأنتِ روّحِي الدنيا ليل والطريق ضلمة.
- كتر خيرك يا خيي، أبقى قوله إن دكر البط محشي حمام.
- حاضر من عيني.
عادت الفتاة الحسناء من حيث أتت ورمح الرجل بالصينية وركن عند زنقور تحت نخلة، ونزع البشكير الذي يغطيها فوجد خيرات ربنا، إشي بط محشي حمام وفريك وطبيخ أحمر وملوخية.
لم يتمالك نفسه وقضم من دكر البط عدة مرات وبعدها راح للجماعة التي تنتظر الوليمة.
رأى الجماعة نصف دكر البط متنغجل ونظروا جميعهم لصاحبهم البطيني، فشعر الرجل بما يدور في أذهانهم وبادر يدافع عن نفسه:
- أصل الصينية اتكنفلت من ع الدحش ولما جيت اسندها نص دكر البط اتهبش ووقع على الأرض.
لم تخل عليهم الحُجة لكن ما زال الطعام وفيرًا، فتغاضوا عما حدث وبدأوا يستمتعون بتناول الوليمة. وبعدما أكلوا وانبسطوا حمل نفر منهم الصينية الثانية التي اعتادوا أكلها بما فيها من العدس والجبن القديمة أم دود، وغطاها بالبشكير إياه وراح وسلمها لجارهم الذي ينتظر المحمر والمشمر:
- لقيت بنتك جايبة لك الصينية أخدتها منها وخليتها تروح أصل الدنيا ليل والطريق مش مضمون
- كتر خيرك.. قرفص كل لك لقمة.
- لا شكرًا.. أنا سبقتك بالهنا.
ورمح الرجل في لمح البصر قبل أن يكتشف صاحبنا المقلب، لكن المسكين استغرب من تلك الصينية وراح يسأل نفسه: أمال البط اللي عندنا خلص ولا إيه؟ مش عوايدهم يبعتوا لي عدس يعني!
وعند عودته إلى منزله سأل زوجته:
- أنت بعتي لي عدس وجبّن امبارح يا وليه!، أمال البط بتاعنا خلص ولا أيه؟
- عدس إيه يا راجل دا أنا باعتة لك مع البنت دكر بط محشي حمام وفريك غير الطبيخ.
تبدَّل وجه الرجل بعد سماع تلك الكلمات من زوجته واحمرت عيناه من الغيظ. سألته زوجته في محاولة لكشف سبب غضبه: مالك يا راجل إيه اللي حصلك؟
تمالك أعصابه وجلس على الدكَّة متظاهرًا بالاتزان، وأغمض عينيه ليخفي غيظه قبل أن يقول: لا مفيش، الظاهر أخدني برد امبارح وعندي صداع مخليني مش مركز.
- يعني أكلت البط المحشي حمام؟
- آه أكلته.. روحي اعملي لي كوباية شاي تقيلة عشان أهضم.
جلس صاحبنا على الدكَّة يرتشف الشاي محاولًا تهدئة أعصابه بعدما تيقَّن أنه تعرّض لمقلب من أبناء اللذينة، فأسرها الرجل في نفسه ولم يبدها لهم.
صاحبنا لديه فتاتين إحداهما حسناء وهي الصغرى، والأخرى اللي يشوفها ميأكلش العيش لمدة أسبوع، لذا كانت زوجته ترسل له الطعام مع الجميلة الصغيرة عشان نفسه تتفتح للأكل.
ومرت الأيّام، وإذ بالرجل الذي أخذ الصينية من بنت صاحبنا يتقدم لخطبتها، فوافق الأب في الحال وتم تحديد موعد العرس، وأقيمت الاحتفالات، وكتبوا الكتاب، واصطحب العريس عروسته، وجهها مغطى كما هي عادة الصعايدة.
وبعدما وصل إلى عُشّ الزوجيَّة فوجئ بأنّ عروسته ليست هي التي يقصدها، وأنّ هذه شقيقتها الكبرى، وعلم أنّه شرب المقلب إلى الأبد.
للتواصل مع الكاتب من "هنا"، أو من خلال التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب