القائمة الرئيسية

الصفحات

مأساة السيد مطر.. الواقع الفلسطيني بين الجنون والألم



عبد الرحمن السيد


في رواية "مأساة السيد مطر" للكاتب الفلسطيني مجد كيّال، أنت أمام نص مربك، مستفز، يلاشي شخوصه، يطحنهم، يعبث بهم، ويدمرهم فى فوضاه العارمة! أمام نصٍ كالهذيان، هذيان تحت تأثير تخدير عنيف، مثلما الحلم الذي بدأ به الكاتب روايته، كان حلمًا تحت تأثير مخدر عنيف! 


في هذا النص، يفقد الإنسان السيطرة على نفسه، على جسده وعلى وعيه وإرادته، يموج في لجج عاتية، ربما أراد الكاتب تصوير مأساة الاقتلاع من الأرض، ألا تكون فى وطنك رغم انك تعيش فيه، مأساة العيش فى الداخل المحتل، حيث وطن يشبه الوطن، ومواطنين ليسوا كذلك، لذلك التجأ الكاتب لإنسان موجود ولا موجود، ولد للتو، ومات، ثم أكمل حياته، فنراه يذهب إلى المدرسة، واليوم عطلة! 


كأن ثورة الجذور فى داخل الإنسان، تجعله شبه إنسان، ورغم غرق النص فى رمزية قاتمة في الكثير من الأحيان، إلا أنك تفهم نوعا ما المغزى من كل هذا الجنون، الجنون هو المغزى، فكيف يصف الكاتب جنون محتل يعيث فسادا فى أرضه دونما أن يلجأ للجنون!





الفلسفة تعرّى الإنسان، لهذا هي شىء غير مرعوب فيه، ولذلك استعان الكاتب بقدر كبير من الفلسفة، من أجل تعرية شخوصه، ويتجلى ذلك فى تعرية شخصية اليهودي السجّان أمنون، والمحقق الودود/اللعين جدًا دادو، غاص فى تفاصيل شخصية السجان، حياته القذرة، المربكة، والتى لا يمكن إلا أن تنتج إنسانًا بلا عقل، أداة عمياء، لا يفهم معنًا لحياته المقرفة! يظن أنه يحمى الأسير، لكنه يحمى السجن من الأسير، مثلما جاء فى الرواية.


الهوامش فى هذا النص تلعب دورًا أساسيًا، ولأول مرة أقرأ عملا روائيا تتشارك فيه الهوامش مع السرد، فنرى أن الكاتب استخدم الكثير من المقولات العالمية الفلسفية والأدبية، والعربية أيضًا حيث استخدم مقطع من رواية الطنطورية لرضوى عاشور، وكما استخدم اسم بطلة الرواية رقية، وجعل منها شخصة روايته الأساسية، وأن جذورها ترجع للطنطورة أيضًا، كأنما أراد أن يكتب مصير رقية رضوى عاشور، بأسلوب أكثر عنفًا، ووقاحة أحيانًا، ربما أراد الكاتب توضيح الألم الفج بأسلوب فج مثله! 


الهوامش أيضًا تؤرخ للكثير من الحوادث والشخوص التى يشار إليها فى النص، كل تلك التواريخ من المهم عدم نسيانها، ومن الرائع التأكيد عليها فى النص.





لا أميل إلى النصوص الفجة، والجرأة التي ليست في محلها، وذلك الاستعراض البذيء، لكننى وجدت مبررًا أثناء القراءة لكل هذا، أحسست أنني أقرأ نصًا غاضبًا، يريد البثق في وجه أعدائه، مثلما أريد أن أفعل كل يوم، يقاوم وقاحة وقتامة أفق الإحتلال وما فعله فى الوطن بوقاحة أيضًا! نحتاح احيانا لسرد عنيف وجرىء وسط حياة غارقة فى تأدب مخادع ومحتال.


شعرت أن السيد مطر، هو فلسطين، تتلبس الشخصيات روحه، يظل معهم، موجودًا ولا موجودًا، مؤلمًا، ضاغطًا، محبطًا، ينفجر فى النهاية، ويعود لصمته، وسخريته اللاذعة من العدو. مجرد شعور! 


"كأنها أجيال، كأنها أوطان، كأنها تاريخ مديد، كأنها حياة وموت، ولكنها صغيرة وقصيرة، مقتضبة، كأنها مساحة سريعة"


"مأساة السيد مطر" رواية لا تشبه الأدب الفلسطيني، فريدة في غضبها، جريئة ومميزة بأسلوب لا يشبه الأسلوب المعتاد في أي شىء، وأحيانًا يجب على الأدب أن يستفز القارئ ويعيّشه حياة الشتات مع شخوصه.


author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات