عبد الرحمن إبراهيم
لطالما توقفت أمام أعمال المخرج الكبير محمد خان، وطرحت سؤالا ملحا ومحوريا عن مشروعه السينمائي، بكل ما يحتويه من أفكار بسيطة ولكنها أفكار أصيلة وفريدة.
محب سينما محمد خان، حين يجردها من بساطتها ويلبسها ثوب الأصالة والدهشة، يلاحظ دائمًا أنه بالتفاصيل البسيطة التي تنهض عليها أعماله، يمكن له أن ينتج نصًا وحوارًا فنيًا، يقرأه المشاهد في كادر تصوير أو صمت ممثل أو حتى ديكور المكان وملابس الشخصية.. كل هذا يرتبط ويؤثر في روح الشخصية الحاضرة أمام الكاميرا، التي رغم صمتها إلا أنها تخاطب المشاهد.
يشارك خان في أفلامه كأحد أبطال العمل، على العكس، تكمن بطولته الحقيقية خلف كدراته، التي يصنع بها حوارية مع أبطاله، ترى فيها رؤيته وتساؤلاته وهمومه ويظهر مدى إخلاصه إلى نوستالجيا الزمان والمكان، هو لا يحتاج غير لقطة منه أو حوارية غير مكتملة و ملتبسة، تتجلى في أعماله على هيئة أغنية أو موقف أو لوحه أو نظرة، يضعها في خلفية للعمل ويظهر تأثيره في تكوين أبطاله. ربما هذا هو الرهان الذي يضعه خان في أعماله الفنية، حين يرى التفاصيل الصغيرة بطريقة مدهشة.
- حين يحلو الصمت
بدأت سمة الصمت في أفلام خان، حين أخرج فيلمه الأول «ضربة شمس»، بطولة نور الشريف و نوال، فاجأ النقاد حين ظهرت فيه الفنانة ليلى فوزي صامته طوال العمل، الذي قامت فيه بدور زعيمة عصابة تهريب آثار.
كانت تلك أولى تجارب خان الفنية وعلى الرغم من أنها البدايات، إلا أن رؤيته الإخراجية كانت واضحه في أداء الممثلين وأوضاع الكاميرا، واختيار زوايا التصوير. لا تلاحظ في بناء العمل الفني رهبه المبتدئين أو خللًا واضحًا. أسلوبه الفني فرض نفسه وظل مخلصًا له بمرور الزمن.
- المرأة و«البطولة المطلقة»
المرأة في أفلام محمد خان لها حضور مستقل هو المهيمن على أغلب أعماله الفنية مثل، أحلام هند وكاميليا، الرغبة، زوجة رجل مهم، موعد على العشاء، بنات وسط البلد، في شقة مصر الجديدة، فتاة المصنع، قبل زحمه الصيف. يرى خان أن من واجب الفن، الانتصار لما يحاول المجتمع طمس هويته وتهميشه وأن كيان عاطفي مثل المرأة ليس هناك ما يمنعه أن يحتكم بسلطة العقل ويتحلى بالثقة ومحاربة القوة الجمعية، المتمثلة في ذكورية المجتمع.
لا تظهر المرأة في أفلامه كشخصيات تملك قوة خارقة، أو من منظور نسوي بحت أو بحثًا عن هوية مكتسبة، ولكن كشخصيات تملك شيئًا من التميز، وسط الطبقة العادية تتمثل في امرأة فقيرة وحالمة تمني نفسها من واقع الخيال والحلم أو كزوجة مقهورة داخل سجن زوج ذكوري يراها وسيلة لتحقيق رغبة أو كصورة وواجهة اجتماعية أو مطلقة تواجه نظره المجتمع لها كمعضلة أخلاقية أو عاملة مصنع بسيطة تقع في قصة حب أعلى من طموحها، إلا أن تلك المفارقات التي تلاحظها في أفلامه قد تبدو عادية ولكنها تخضع تحت عين التأويل.
- فتاة المصنع.. حكاية الجنية في شارع البنات
«البنات في الحلم دنيا تانية»، هكذا تبدأ الأم عايدة التي قامت بدورها الفنانة القديرة سلوى خطاب، حكايتها من واقع الأسطورة عن شارع البنات، وعن الجنية التي أحبت رجل من النوبة ولكنه كان «موته وسمه خلفة البنات» حتى أصبح نسله كله من الإناث قدرة ولا يستطيع أحد الاقتراب منهم «حتى لو راح سابع أرض»، يمكن لتلك الحكاية أن لا تمت لواقع الفيلم، لكونها خرجت عن الواقع أو بمعنى أصح، أنها اقتربت من الحافة الخطرة منه، ولكن بعبقرية سيناريو الكاتبة وسام سليمان، اكتسبت شخصية البطلة هيام ثقتها وتكوينها من كنيه المكان والحكاية.
يبدأ الفيلم بإهداء إلى الفنانة سعاد حسني، ست البنات وروح العمل النابضة، التي كانت حاضرة بأغانيها وأفلامها في الخلفية وهو ما أعطى للعمل طاقة من البهجة والابتسامة التي لا تفارق كل مشهد.
تبحث فتيات المصنع عن رجل حقيقي ينتشلهم من واقع الفقر، والهروب إلي حافة الأمان، ربما هذا يفسر سبب إعجابهم بالمهندس صلاح المشرف، والذي يعتبر هو الرجل الوحيد في المصنع والذي تقع في حبه هيام (ياسمين رئيس) ولكنها لا تقف عند هذا الحد من المغامرة إلا أن هناك محاولات للتقرب منه، وزياراته في بيته أثناء مرضه، ليتطور الأمر إلى تقبيله لها في المطبخ.
لا توجد مبالغات عاطفية في مشاهد الحب في الفيلم أو في التعبير عن الإعجاب، إلا أن كاميرا محمد خان المتلصصة على فتيات المصنع في ثرثرتهن في حجرة تغيير الملابس أو أثناء العمل، أنقذت الفيلم من الميلودراما الفارغة وفخ المبالغات العاطفية، لأن كاميرا خان كانت تلعب دورها في التعبير عن دهشة الحب في أعين هيام.
يشهد موقف اتهام هيام بحمل طفل غير شرعي بعد العثور على اختبار حمل في المصنع، أظهر فيه الجميع أنها المتهمة الأولى بسبب حالة الإغماء التي أصابتها، بعد أن شهدت تهرب المهندس صلاح بعد تقبيلها، نقطة تحول أخرى في شخصيتها والفيلم في المجمل، فرغم قيام العمل في الأصل على شخصيات نسائية، إلا أنها كانت الخصم الأول لها، وفي مشهد اتهامها، أظهرت فيه ثبات وثقة أعطتها كبرياء يمنعها من مصارحتهم، حتى حين عرفت الأم و فقدت ثقتها فيها لما عثرت على صورته، لم تصارحها أيضًا رغم اتهامها في عذريتها، وقص شعرها من قبل جدتها وهي من العادات القديمة في معاقبة المرأة مثل قص الحواجب وتشويهها، ولكن يأتي انتصارها في النهاية هو انتصار قد يكون بالنسبة لها أقوى من الحب.
«يا نيل يا كبير خلي شعر بنتي طويل، يا نيل يا طيب، طيب جرحي، يا نيل يا كبير خلي شعر بنتي طويل».
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب