بدعوة من مكتبة محمد بن راشد في دبي قدمت الإعلامية البحرينية دكتور بروين حبيب، محاضرة اليوم تحت عنوان "المرأة في حياة طه حسين وأدبه" أدارتها الدكتورة ليلى العبيدي أستاذ الأدب العربي بجامعة الشارقة.
بدأت المحاضرة بتناول علاقة عميد الأدب العربي بزوجته سوزان انطلاقا من الكتاب الشهير"معك" الذي ترجمه بدر الدين عرودكي، ورصدت ما ذكره عنها طه حسين حين قال : "المرأة التي أبصرت بعينيها"، وقالت عنه :"أنا التي وجدتك على طريقي".
أكدت بروين حبيب الحاصلة على دكتوراة الأدب العربي من جامعة عين شمس أن قصة حب طه حسين وسوزان يجب أن تكتب مع قصص الحب العظيمة في التاريخ، ولفتت إلى أن العلاقة بينهما امتدت قرابة ستين سنة. وقالت "هذه المرأة ضئيلة الحجم كانت قوية الشخصية متسلطة أحيانا بشهادة من عرفوها أو عملوا معها، لكنها كانت عاشقة وكل عاشقة تحب احتكار من تحب. وقاتلت بشراسة لأجل ذلك".
وأوضحت أن أحدا لم يكتب عن طه حسين نصير المرأة وأول من فتح لها باب الجامعة سوى مقال يتيم لصوفي عبد الله. وتابعت "لطالما أثار فضولي أن يُكتب عن العقاد أو توفيق الحكيم باعتبارهما عدوين للمرأة ولا نجد عن موقف طه حسين منها ، وحين قرأت كتاب "امراة مختلفة"وهو كتاب عن سيرة حياة درية شفيق صدمت من موقف طه حسين الرجعي للأسف منها فحاولت أن أفهم خلفيات ما جرى، وهذان السببان كانا الدافع لي للبحث في الموضوع ورأيت أن هناك مادة علمية تصلح أن تكون كتابا يشكل مدخلا لصورة المرأة في حياته وكيف انعكست في كتاباته".
وقالت بروين حبيب من المقرر أن يصدر قريبا كتابها "أبصرت بعينيها" الذي يركز على تناول صورة المرأة لدى حسين الذي وصفته بأنه كان جسرا ثقافيا بين الشرق والغرب.
ونوهت إلى ملاحظة طريفة هو حضور نموذج المرأة الغربية في حياته (وأقصد هنا سوزان) وغيابها النسبي في أدبه، بعكس المرأة الشرقية التي حضرت في أدبه وغاب الحديث عن دورها في حياته (الأم والأخوات نموذجا). ووفقا لما انتهت إليه "حبيب" فإن الدور المهم والفعال في حياة العميد كان للمرأة الغربية أكثر فتأثره بسوزان واعتبار المرأة الغربية نموذجا يجب الاقتداء به لأنها أكثر حرية وتحكما في مصيرها من المرأة الشرقية المغلوب على أمرها الخاضعة مثل أم زهرة في دعاء الكروان، أو الساذجة مثل هنادي التي دفعت ثمن بساطتها غاليا. معتبرة أن هذه طريقة فعالة من طه حسين لتحفيز المرأة على تحدي واقعها من خلال عرض نماذج يمكن أن تكون مثلهن إن استكانت ورضيت بواقعها.
ورأت حبيب أن موقف طه حسين من درية شفيق موقف محافظ ومتناقض ففي حين أنه هو من سعى لتسهيل دراستها للدكتوراه في السوربون فإنه هاجمها بقوة في مقالين شهيرين بعنوان "العابثات"، وذلك يعود في رأي حبيب إلى سببين أولهما أن طه حسين كان في منتصف العقد السادس من عمره أتعبته معاركه التي بدأها باكرا من قضية الشعر الجاهلي إلى تعليم المرأة إلى مكائد الوزارة فاستكان إلى المحافظة ومسايرة الثورة يومذاك وخاصة أنه كان يرى أنها تجربة في بدايتها لا يجب التشويش عليها. والسبب الثاني أن ردود الفعل على مقاله الأول دفعته إلى المكابرة وهو الصعيدي المعروف بعناده الشديد. ففوّت على نفسه فرصة مهمة للوقوف مع قضية كانت من صلب اهتمامه.
وعلى الرغم من ذلك قالت بروين حبيب: "امتلك طه حسين روحا متحررة قرن فيها التنظير مع التطبيق، إذ كان يصحب معه سوزان حيثما ذهب وكانت تجلس معه في مجالس الرجال رغم بعض الغمز واللمز من الرجعيين، كما حرص على حماية سهير القلماوي في الجامعة من التحرشات الذكورية، فهذه أمور كان يعتقدها وليست مثاليات". ونوهت إلى أن شخصية سوزان المتحررة باعتبارها ابنة الحضارة الغربية لعبت دورا في ذلك فهي كانت أيضا قوية وواعية بالتحديات التي ستلاقيها في مجتمع محافظ جدا كالمجتمع المصري في بدايات القرن العشرين. ولعل لصعيديته أيضا إسهام في ذلك بروحه القتالية وعناده.
وانتهت بروين حبيب في محاضرتها أمام جمهور مكتبة محمد بن راشد إلى القول بأن عميد الأدب العربي صوّر المرأة الشرقية في كتبه بواقعها كما هو دون روتوشات لعلها تبصر نفسها في المرآة فتثور بل وأعطى لها نموذجا متحديا مثل آمنة في دعاء الكروان التي غيرت حتى اسمها إلى سعاد لتتعايش مع شخصيتها الجديدة.
ولاحظت المحاضرة أن طه حسين لم يحكي عن أمه كثيرا في سيرته الذاتية" الأيام" أو حتى حبه الأول باستثناء إشارات بسيطة وحتى تلميذته الأثيرة الدكتورة سهير قلماوي وقد امتدت علاقته بها 45 سنة لا نجد الكثير من التفاصيل لولا بعض أحاديثها الصحفية عن علاقتهما الأكاديمية وبعض الرسائل التي تضيئ على علاقتهما الشخصية.
تحاول بروين حبيب في كتابها الجديد "أبصرت بعينيها" تتبع وجود المرأة في حياة عميد الأدب العربي، باعتباره رجلا يحمل مشروعا تنويريا ولا يكتمل أي مشروع تنويري بدون أن تكون المرأة وتحريرها أحد أعمدته.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب