يوسف الشريف
للحديث عن فيلم "Space Odyssey 2001" لمخرجه ستانلي كوبريك، يجب علينا الوقوف أمام بعض المحطات والمشاهد.
المشهد الأول هو مشهد منح العالم السويدي سفانتي بابو جائزة نوبل في الطب لعام ٢٠٢٢، لاكتشافاته المتعلقة بجينومات أشباه البشر المنقرضة والتطور البشري.
المشهد الثاني هو مشهد وصول عالم الفضاء الأمريكي "نيل أرمسترونج' لسطح القمر في يوم ٢١ يوليو عام ١٩٦٩. ليصبح أول إنسان يطأ سطح القمر.
المشهدين باختصار هما قصة الفيلم الذي نتحدث عنه، الإنسان هذا الكائن الذي انقرض بسبب عدم تطوره ثم عاد من جديد مدركًا أنه لا سبيل أمامه للنجاة سوى التطور.
في البداية أريد أن أقول أنني هنا أعرض ما رأيته في الفيلم من أسئلة وأفكار، وليس بالضرورة أن أكون من المؤمنين بهذه الأفكار ولكني فقط أقوم بعرضها وتحليلها وتفسيرها، كما رأيتها.
يبدأ فيلم Space Odyssey 2001 ولدقائق بشاشة سوداء مع موسيقى متوترة، تظل هذه الشاشة السوداء حتى يظن المشاهد أن هناك خطأ أصاب الفيلم، ولكن هذا الافتتاح بكل تأكيد له دلالة من صانع الفيلم وهو أن يشعر المشاهد بالعدم، لأنه وبعد ذلك سنرى الكواكب والأرض التي يعيش عليها الإنسان البدائي، الذي يعيش ليبحث عن طعامه وشرابه فقط، ويتصارع عليه، حيث قانون الغابة هو المتحكم القوي يسيطر على المقدرات من طعام وشراب، والضعيف لا وجود له، هذا الإنسان الذي لم يدرك التطور ولم يدرك أنه جزء صغير.. صغير للغاية.. من كون كامل، به كواكب وأماكن لم تكتشف بعد، لا يخلوا من الحركة المستمرة، والتطور والتقدم للأمام، هذا الكائن الذي لم يدرك كل هذا كان من الطبيعي ان يندثر وينقرض.
تمر السنوات وتتغير الأرض ويظهر الإنسان العاقل، الذي أدرك أن العلم، والتطور، والتقدم، ومواكبة حركة الكون ككل شئ لا بد منه، فهو مجرد عنصر من ضمن عناصر كثيرة لا تتوقف عن الحركة، فعلم أنه إذا توقف سيهلك.. لا محالة.
هذا الإنسان الذي آمن بالتطور والتقدم والعلم هو الذي اخترع الدواء الذي يعالج أمراضه، وهو الذي اخترع الطائرة التي تمكنه من التحليق في سماء العالم، والذي جعل كوكب الأرض عبارة عن قرية صغيرة يمكن لشخص في شرق الكوكب أن يتواصل مع إنسان في غربه في نفس اللحظة وأن يؤاه رؤية العين.. هذا الإنسان أدرك أن العلم هو الدرع الذي سيحميه من حركة الكون الجبارة والتي لا ترحم.
وحين نتحدث عن الفيلم لا بد وأن ننظر إلى تاريخ عرضه في أبريل ١٩٦٨، أي أن الفيلم تم عرضه قبل أن يصل الإنسان إلى القمر، ولذلك كان من الطبيعي أن يشعر المشاهد للفيلم الآن بعد مرور أكثر من نصف قرن على عرضه، أن الفيلم يحمل من الملل أكثر مما يحمل من عوالم التشويق والتسلية.
فكوبريك من اللحظة الأولى يبدو مهتما بأن يقدم ما يبهر المشاهد، فإذا تحدثنا عن التطور التكنولوجي في العام الذي تم طرح الفيلم فيه سنعرف أن لا وجود "للروبوت" أو الإنسان الآلي، ولا وجود للموبايل الأندرويد أو التابلت، ولا يوجد من يعرف أن هناك تفكير ومحاولات للعيش في كوكب آخر، وكل هذه التقنيات التي ظهرت في الفيلم، فقد كان أحدث جهاز تكنولوجي بعد الهاتف المنزلي هو الراديو والتلفزيون آنذاك.. فبالتالي كانت عبقرية كوبريك في قرائته لمستقبل الإنسانية التكنولوجي وإلى أين سنصل بهذا التطور.
ولكنه وفي كل الأحوال فيلم يعلمنا ضرورة أن ندرك أهمية ودور العلم، وأن يحتمي الإنسان بعقله ليواكب الحركة التي تحدث حتى لا ينقرض.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب