محمد أسامة
الحرب، الحب، العزلة، مفاهيم يحاول الإنسان البحث عن معانٍ لها وعن أسبابهم، وفي هذه المجموعة القصصية "عن الحب والعزلة"، الصادرة عن منشورات المتوسط، استطاعت الكاتبة مريم القحطاني ببراعة تأويل هذه الكلمات، والبحث عن معاني لأشياء تخص جوهر الإنسان، تخص وجوده على الأرض وحياته ومدى تفاعل هذا الإنسان أو الكائن مع كل ما يحدث حوله.
تلتقط الكاتبة التفاصيل الصغيرة لتصنع منها لوحة شديدة الثراء، شديدة الجمال، وسط عوالم لا تعرف قيمة الجمال، علاقة الإنسان بالوطن والمجتمع والمدينة ومن حوله.. من هنا كانت البداية..
نرشح لك: لأول مرة بالعربية.. صدور الأعمال القصصية الكاملة لـ جايمس جراهام بالارد
"اليمن السعيد" كلمة سمعناها كثيرًا بنبرة حزينة ومقبضة أحيانًا، تسترجع ذكرى بلد كان ينعم على الأقل بهدوء وراحة، والآن أصبح مسرحًا للحرب والخلافات وموطنًا للأمراض والمجاعات، ولكن بين تتابع الأخبار والصور عن بلاياهم التي للأسف صارت معتادة، ومن قوالب الأفكار المحفوظة، هل هناك ما نسيته الكاميرا كي تكون الصورة حية؟
في معظم القصص تأتي المرأة في الصدارة، بحضور وتأثير يتجاوز وضع الاسم على عنوان القصة أو كمحور جانبي مثل "نورية" و"فتون" و"خديجة"، وفي ذلك تجميع وتكوين صورة أكثر عمقًا وتناول أقل جفافًا للأحداث، ومحاولة لبث الروح في المشاهد الميتة من كثرة الاعتياد والتكرار بتقريبها والتركيز على حكاياتها المخفية والعواطف المستترة فتصنع إيقاعًا مختلفًا في قلب القارئ.
المختلف هنا هو روح الحكايات ذاتها، فقد نقلت حال أهل البلد المعلق بين الأشياء، كما قال حمود في قصة "هدية" هنا نرى مزيجًا غريبًا يجمع بين أنصاف الأشياء، فلا ترى هدوءًا دائمًا في قصة "الطريق إلى صنعاء" ولا وجود لقصة حب كاملة أيضًا، ولا تجد تعاطفًا دائمًا مع حورية في قصتها، وفي معاناة الأبناء وشتاتهم في قصة "جميلة"، كلها تقف أمام خيارين يغلب عليهم التشوش، ففي شخصية "أمي ظبية" في قصة "أنا عيدك" نقف بين مفهوم القسوة والرقة، لنعطي حكمًا مبهمًا على زوجها بأن ظلمه دليلًا على محبته، وحتى حمود في قصة هدية يمتزج عنده الحزن بالسخرية على أقداره.
نجحت الكاتبة في صنع مزيج يعطي لكل شيء طابعًا خاصًا وهو الوقوف بحثًا عن الذات أمام مشاعر عدة، سواء الموت أو الحب.
"إذا اقتربت الشمعة البعيدة منكَ فأنتَ في الطريق الصحيح، هكذا تواصل المسير، ربَّما لتنفض شيئاً من اليُتْم عنكَ".
هذا الاقتباس من قصة "عزلة" يتناول معنى الأمل ومقداره في باقي القصص، لا يمثل إلا مجرد شمعة مضيئة كتلك التي نقل بطل القصة من الفزع في الخربة إلى الهدوء والسكينة في المسجد.
ومضة مسكنة لمشاهد البؤس تراها جيدًا في معاناة خديجة في قصتها وأمل ظبية في قصة "أنا عيدك"، وفي اشتياق فتون لزوجها المغترب في قصتها، ثابتة في شعور داخلي بعظمة البطل في قصة "عزلة" أو معمم بإسقاط بسيط مبهر في قصة "مارلين" بجعلها "كعلي الزيبق في ألف ليلة وليلة" بصورة مصغرة.
ورغم هوانها، إذ تدفعهم بقدر بسيط أو تدلهم بضع خطوات في ضباب الطريق، إلا أن بدونها تفقد للقضية معناها، ولا نرى قيمة ركض الصبي في قصة راحة بال باحثا عن أمه، ولا سؤال جابر عن انتهاء الحرب في قصة في الطريق إلى صنعاء، والأهم لا نفهم سر استقبال الناس للفواجع وتأويلاتهم كما سأل الراوي في تلك القصة.
مساحة إعلانية |
ما يكمل الصورة، وفقًا للشتات الذي ذكرناه معالجة القضايا الفرعية كالزواج المبكر مثلا أو فكرة الشعوذة والتعامل مع الأمراض النفسية أو الأمراض بشكل من التناقض، يحمل شد وجذب خفيف يكشف البطل أمام نفسه كما في قصة "خديجة" لخطوته التالية كما في قصة "أنا عيدك"، أو حتى في الأمور التي تسعر الحرب، كلها لصعوبة التخلي عن صورة أمام أخرى، تضعهم في عزلة عن مجتمعهم المحيط.
ورغم قوتها إلا أنها تنفرج بينهم بشيء بسيط في النكت كما في قصة في الطريق إلى صنعاء، أو تحريك المشاعر كما في قصة مارلين من البغض للحب والعكس.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب