إسراء عادل
أمس كان قلبي يتألم وبشدة تحديدا الساعة الثالثة عصرا حين انهيت قراءة كتاب "أنا قادم أيها الضوء" للكاتب الراحل محمد أبو الغيط، والصادر عن دار الشروق، بعد قراءة دامت حوالي خمسة أيام، والذي للغرابة كنت كلما نطقت عنوان الكتاب أثناء القراءة أجدني أقول "أقوى من الضوء" ليس لعدم تركيزي فأنا اخترت قراءته أصلا بسبب عنوانه، ولكن ربما هو عقلي الباطن الذي رأى محمد أبو الغيط -رحمه الله- أقوى من أشياء كثيرة حتى المرض لم يكن ضعيفا أمامه ولا يائس ولا استسلم أبدا.
"ولو وافاني القدر، ورحلت في الوقت الذي قدره الأطباء، فإني أرجو أن يكون ما بعد نفقي نورًا وهدوءًا وأمنًا، وأن يكون في هذا الكتاب ما قد ينقب ولو ثغرة واحدة، ليمر منها بعض الضوء إلى من يقرأ"
انهيت قراءة الكتاب أمس ولكني لم أقدر أن أكتب أو أعبر أو أتحدث عن رأيي.. لم أقدر على فعل أي شيء سوى الصمت والشعور بالألم الشديد في قلبي، والذي لم ينتهي إلا بعد أن عدت لمنزلي واندمجت مع والدتي وأطفالي أي تقريبا بعد ساعة من تركي للكتاب.. وبرغم خروجي من تلك الحالة أو ظني إني خرجت منها وتحسنت ونسيت الأمر إلا إني قبل نزولي من عند والدتي وأنا أقف عند الباب قلت لها "شاب دكتور وصحفي كان مريض سرطان عمل كتاب عنه واتوفى من تمن أيام.. شاب قدي يا ماما"، اندمجت والدتي سريعا معي وسألتني دي قصة ولا حقيقة؟ قلت لها حقيقة فدعت له بالرحمة.
وضعتُ فقط رايتي عليه إعلانا مني إني انتهيت ولم أتمكن بعدها من تحريك أناملي لكتابة أي أحرف ولا تشتيت انتباهي بأي كتاب آخر وسرحت فيما أنا فيه.. مالي أشعر بهذا الحزن الشديد؟! لوفاته؟! كنتِ تعرفين منذ البداية بنهايته حتى أنك تعجبتِ من استمرار الكتابة لفترة قريبة.. كنتِ تقريبا تنتظرين لحظة موته متسائلة هل سأكون أنا شاهدة عليها بشكل ما؟! هل سيتمكن من إنهاء الكتاب أم سيسبقه الموت؟! هل سيضع هو نقطة آخر السطر أم أن زوجته الحبيبة هي من ستفعل؟! فكنت كلما قرأت تاريخ بداخل الكتاب أنتظر بعدها لحظة إعلان النهاية ولم أحب ذاك الشعور لأنه بالطبع حرمني من بعض المتعة، ولكن رغما عني لمعرفتي النهاية قبل البداية.
"القراءة بالنسبة إليَّ ليست تسلية ولا هواية، بل عمل بالغ التركيز، لا يصاحبه أي أعمال أو أفكار أخرى. لا أقرأ أبدا إلا بصحبة قلم أو الـ «نوتس» على هاتفي، أسجل ملاحظات وتعليقات تصنع فهرسًا خاصًّا لي"
لا يصح أن أتحدث كثيرا عن نهايته قبل الحديث عن الكتاب نفسه فكل كتاب رحلة مع شيء ما أو في مكان ما أو إلى مكان ما أو من أجل شخص ما أو مبدأ ما.. هو رحلة وهذه المرة كانت رحلته مع النفس لا ليست مع المرض فالكتاب أكبر بكثير من أن يقتصر على هذه الفكرة فحسب.
"لا يمكننا التحكم في الأحداث الأليمة بالحياة، لكن يمكننا التحكم في أنفسنا"
ربما هذا أحد أسباب حزني إني تعمقت بشدة داخله.. داخل نفسه وحياته وذكرياته وعائلته وهواياته وعمله وأطبائه وأصدقائه وآرائه والأحداث التي تدور حوله، داخل أيامه وشهوره التي كان يأمل لها أن تطول، داخل أحلامه الصغيرة التي أصبحت أكبر منه فجأة فتخلى عنها.
التقيته أيام فحسب ثم افترقنا وهذا حالي، فما بال حين نحيا أعواما مع أحبائنا ثم ينتهي أجلهم لمرض أو غيره وما أكثر الأمراض التي تنهي حياة. كم أحببت زوجته لشهامتها وحبها له وقوتها وحبها له ومثابرتها ونجاحها واسمها الذي هو اسمي.
"وأدعو لكل من أحبَّ أن يمنحه الله «إسراءه» الخاصة، سواء كانت حبًّا أو غير ذلك من كل ما يقيَ من الخيبات، كل الخيبات"
ولكن لا فرار من النهاية.. سواء كانت نهاية كل كتاب أو نهاية حيواتنا. انهيت الكتاب بآخر كتابة لمحمد في شهر نوفمبر من هذا العام دون أن أعرف تاريخ وفاته تحديدا، وليس هناك أسهل من كتابة كل ما نرغب في محرك البحث.
محمد أبو الغيط ولد في 23 أكتوبر 1988، توفي في 5 ديسمبر 2022 في إحدى مستشفيات لندن، ودفن في لندن، سبب الوفاة هو سرطان المعدة.
تعددت الأسباب والموت واحد.. رحمك الله يا محمد ورحم جميع أمواتنا وأموات المسلمين.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب