إسلام وهبان
يصدر قريبا عن الدار المصرية اللبنانية، كتاب «الطاهي يقتل.. الكاتب ينتحر" للكاتب الكبير عزت القمحاوي، والذي من المقرر طرحه بالتزامن مع الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
الكتاب ينتمي إلى خط كتب "القمحاوي" البعيدة عن التصنيف، فيه السيرة الذاتية والحكاية والنقد والتأمل الفلسفي، وكل ذلك في خدمة المهارة والشغف في الطبخ والكتابة، واللتين يعتبرهما القمحاوي، عملًا أنثويًا واحدًا وهو الذي ميز البشر عن الكائنات الأخرى.
يرشح لك: خريطة أماكن دور النشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023
ويقول القمحاوي: «بالحكاية والطبخ تمكَّن البشر من استئناس بعضهم بعضًا، وصارت لدينا مجتمعات بشرية. ولم يزل الطعام حاضرًا في الاحتفالات الاجتماعية الدينية. وهو أكثر رسوخًا مما نتصور؛ فالمصريون والفرس وغيرهم من الشعوب القديمة غيَّروا دياناتهم، لكنهم لا يزالون يحتفلون بالطعام الذي كانوا يتناولونه في أعياد دياناتهم البائدة. حتى الشعوب الأكثر حداثة صارت لها تقاليدها. الأمريكيون، من يعرف منهم طريق الكنيسة ومن لا يعرفه، لا يتخلفون عن اجتماع العائلة حول الديك الرومي في عيد الشكر».
ويرى الكاتب أن وقت الطبخ وتناول الطعام سيظلان وقتًا للحكاية، وقد وقع الكاتب نفسه في غواية الطبخ والكتابة في تلك اللحظات من طفولته. وسيظل هذان الفعلان معًا أهم مقوِّمات التماسك الاجتماعي لدى أية جماعة بشرية، والعكس بالعكس؛ فقد جاء الساندويتش ومطاعم الوجبات السريعة تفسيرًا مطبخيًا لمعنى الفردية، وستظل المواجهة بين المائدة والساندويتش تعبيرًا عن الصراع بين القديم والجديد؛ بين التمسك بالتقاليد والانعتاق منها.
يكشف القمحاوي عن أسباب شغفه بألف ليلة وليلة ونجيب محفوظ وبورخيس ومارسيل بروست وكاوباتا، من خلال تأمل إبداعاتهم وطبخاتهم الروائية كما يتأمل حضور الطبخ في نصوصهم وأشكاله؛ فألف ليلة وليلة هي الطبخة اللامنتهية، وبروست متاهة من الطبخ وبورخيس طباخ الباييا، ويعتبر «امتداح الخالة» لماريو فارجاس يوسا بتتابع فصولها بين الأسطورة والواقع مثل قالب الميل فيه.
نجيب محفوظ فنان الإخفاء، لديه ما يخفيه في طبخته للأجيال القادمة، مثله مثل الكلاسيكيين العظام الذين نقرأهم بعد مئات السنين، وأما ماركيز فأحد طباخي العظمة لكنه يطبخ على الطريقة الهندية في الإفراط من البهارات.
نرشح لك: كل ما تريد معرفته عن إصدارات معرض 2023
والإفراط في استخدام البهارات والدسم والملح والحار هو سمة الروايات والوجبات المغشوشة. ومثلما يتوقف أمام أسماء الروائيين يتناول كذلك أعمال الطهاة المهرة والسحرة والغشاشين متجاورة مع أعمال من يشبهونهم من الروائيين، فنرى إمريل لاجاسي، نادية حسين، جيمي أوليفر، والتركيين بوراك أوزدمير ونصرت جوكشيه وقد بنيا شهرتهما على شكل الولائم الكبرى: عجل مشوي بكامله، سمكة ضخمة، أطول إصبع كفتة، في اتكاء واضح على خيال مطاعم السلاطين وولائم ألف ليلة، وفوق كل هذا، التصعيد الخيالي للدسم: محشي ورق العنب في جوف خروف.
يوقظ الكتاب العلاقات بين العديد من الروايات وروايات سابقة لها ويكشف عن عدد كبير من حالات التأثر، مفرقًا بين التأثر المشروع وبين السرقة، يعيد بعض أشهر المشاهد في روايتي «امتداح الخالة» لماريو فارجاس يوسا و«مئة عام من العزلة» لماركيز إلى مصدر أسطوري واحد، ومشهد كتابة أنيس زكي تقريره بقلم فارغ في «ثرثرة فوق النيل» إلى مشهد مماثل في نوفيلا «قلب ضعيف» ويؤاخي بين «الجميلات النائمات» و«لوليتا».
«ألف ليلة وليلة» هي المرجع الثابت الذي يشكل عصب الكتاب في استشهادات بألوان المهارة من حسن الاستهلال إلى استخدام البهارات إلى اللغة وكيفية التشويق بالإستباق والإرجاء للوقائع، كما يتوقف الكتاب أما الليلة ٦٠٢ في الليالي بتفسير مختلف عن تفسير ماركيز الذي اعتبره تفسيرًا مازحًا جاراه فيه عبدالفتاح كيليطو. وهي الليلة التي يقول بورخيس أن شهرزاد تعيد فيها رواية حكاية شهريار نفسه على مسامعه، بينما يعتبرها القمحاوي رواية معارضة للقصة الأصلية، فيها الكثير من التوبيخ لشهريار. ويتوقف القمحاوي أمام الكثير من الشواهد في اللغة والحكاية وبناء الشخصيات ليبدد الوهم النقدي باعتبار «ألف ليلة وليلة» نصًا معاديًا للمرأة.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب