القائمة الرئيسية

الصفحات

فصل من كتاب "حكايات لها تاريخ" لطاهر عبد الرحمن



 ماذا يمكن أن يُكتب عن رواية صدرت منذ أكثر من عشرين عاما مضت؟ أكثر من ذلك فإنها أثارت ضجة كبيرة وقت نشرها الأول، على حلقات أسبوعية مسلسلة في جريدة أخبار اليوم بين عامي 1989 و1990؟ وظل - رغم أية خلافات سياسية أو فنية وأدبية - اهتمام القراء عن شخصية بطلها محل تساؤل وبحث؟


العمل المقصود هنا هي رواية الكاتب الصحفي الكبير الراحل موسى صبري الشهيرة: دموع صاحبة الجلالة.


في السياق كذلك أنها تحولت إلى أعمال فنية: مسلسل إذاعي بطولة أحمد زكي ويسرا وفيلم سينمائي بطولة سمير صبري وسهير رمزي و مسلسل تليفزيوني بطولة فاروق الفيشاوي وميرفت أمين.


أي  إن الذين فاتتهم فرصة قراءة الرواية فإنهم سمعوها أو شاهدوها، ولو من بالصدفة!


إذن نحن أمام عمل قديم، ولكنه أيضا مشهور ومعروف على مستوى القارىء والمشاهد العادي، وأما على مستوى الصحافة والصحفيين (والرواية تحكي عن شخصية من  عالمهم) فإن اهتمامهم بقراءتها، فضلا عن تناولها بالكتابة والتعليق، بكل تأكيد كان أكبر وأشمل.


إن هذه الرواية - ومرة أخرى بغض النظر عن أية مواقف سياسية أو فنية وأدبية - واحدة من الروايات القليلة التي تناولت كواليس العمل الصحفي وعلاقات أفراده - الإنسانية والسياسية -  فيما بينهم وبين مجتمعهم وحركتهم صعودا وهبوطا في داخل المهنة وخارجها، سواء كان سلبا أو إيجابا.


أكثر من ذلك فإن كاتبها هو واحد من أشهر الصحفيين المصريين في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد كتبها في أواخر حياته، ولذلك اهتم الكثيرون بتفسيرها وتحليلها ومحاولة الوصول إلى شخصية بطلها - محفوظ عجب - الحقيقية!


بالطبع إن الرواية تبقى دائما وأبدا ”رواية”، وهذا هو مقصد الكاتب من البداية، فلو أراد شيئا آخر لكتبها بأسلوب مغاير، لكن في نفس الوقت يجب أن نأخذ اعتبارنا أنه "ليس كل ما يعرف يقال أو يكتب"، والصحفيون بحكم ما يصل إليهم من معلومات وأسرار، فضلا عن مشاهداتهم المباشرة، يعرفون الكثير والكثير، وعالم الصحافة - كما غيره - مليء بالقصص والشخصيات "الدرامية" التي تُغري بالكتابة عنها بأي شكل وبأية طريقة.


من هذا المنطلق وحده قرأت الرواية، لكن - قطعا وكما فعل الكثيرون من قبلي - حاولت ربط أحداثها مع الواقع، وبعد قليل اكتشفت أن ذلك يعتبر تعسفا مع الرواية بشكل كبير.


إن كثيرين بالطبع قالوا - بيقين لا يدخله شك - أن المقصود بشخصية محفوظ عجب هو كاتب وصحفي مصري معروف ومشهور جدا هو محمد حسنين هيكل، وفي الرواية ما يؤكد ذلك، خصوصا وأن خلاقات موسى صبري مع هيكل معروفة للجميع، لكن هذا اليقين لا أستطيع أن أقره للنهاية، طالما أن كاتب الرواية لم يصرح بذلك، بل إنه كتب يقول محذرا أو منبها لقارئها أن أحداثها يمكن أن تقع في أي زمان ومكان تصدر فيه الصحف، والمعنى أنه - إذا افترضنا حسن النية - لا يخص شخصية محددة أو وقائع أو زمن بعينه.


وأنا هنا لا أبرر للكاتب أو ألتمس له أعذارا، فلقد حدث كثيرا أن كثيرين اختاروا الشكل الروائي والقصصي ليكتبوا ويقولوا ما في جعبتهم تجنبا أو هربا من المسئولية، أيا كان شكلها: أدبيا أو سياسيا.


وموسى صبري - ومرة ثالثة بغض النظر عن أية مواقف سياسية -  كاتب صحفي قديم عاصر أحداثا وشخصيات كثيرة وخطيرة، وبلا شك فإن حصيلته ضخمة ومتنوعة، ومن هنا جاءت شخصية روايته الرئيسية، والتي تحمل كل دناءات ونواقص الحياة مركزة فيها بشكل يكاد يكون خياليا، ولا يمكن تصور وجودها في شخص واحد، لكن ذلك بالتأكيد كان حصيلة تجارب ومشاهدات الكاتب، ومن الممكن جدا أنه ربما التقط كثيرا من الصفات والمواصفات من آخرين وخلعها على ”بطله”، ليس فقط من الماضي وإنما من الحاضر كذلك!


ومن هنا فإنه يمكن اعتبار شخصية ”محفوظ عجب”  نموذجا ومقياسا (هل نقول أسلوبا!؟) لكثيرين في عالم الصحافة على مر الزمن، وهذه هي قيمة ”الشخصية الأدبية” التي تبقى وتستمر حتى بعد مرور أكثر من 20 عاما على ظهورها في صفحات رواية، وهذا ما دفعني لقراءتها والكتابة عنها!




للتواصل مع الكاتب من "هنا"

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات