إسلام وهبان
هل يعيش الإنسان طوال حياته بوجه واحد؟ ومتى تتبدل فطرتنا؟ وهل تجبرنا الظروف على أن نتعايش بعدة أوجه؟ ولماذا نخشى ذا الوجهين؟.. أسئلة عديدة يطرحها الروائي والشاعر وليد علاء الدين، في روايته الثالثة “الغميضة”، والصادرة حديثا عن دار الشروق للنشر والتوزيع.
الرواية تدور أحداثها داخل متجر لبيع الألعاب، ليأخذنا الكاتب من خلال حلم لبطل الرواية لنرى العالم بشكل أكثر وضوحا، يضع فيه التطرف بكل أشكاله في مواجهة الفطرة، ليتكشف للقارئ ما وصلنا إليه من قبح وزيف، وما آلت إليه مجتمعاتنا من ازدواجية وتناحر وتشويه لكل ما هو جميل.
خلاويص؟
منذ اللحظة الأولى لقراءتك للرواية تجد نفسك تخضع لقواعد “الغميضة”، فالكاتب يخبرك من البداية أنه يخدعك وأن ما كتبه هو مسرحية خبأها في جسد رواية، ولكن تصديق القارئ لهذه الخدعة هو ما سيقوده إلى الكشف عن الخدعة الكبرى، ويكون قادرا – إذا أراد – على التعرف على حقيقة الوجوه والخدع التي سيراها طوال أحداث الرواية.
والمتابع لكتابات وليد علاء الدين، يجد أنه لديه قدرة كبيرة على التجريب سواء في الفكرة التي يطرحها أو في طريقة السرد أو في القالب الأدبي الذي يطرح من خلاله أفكاره وتساؤلاته، وقد تمكن في هذا العمل الأدبي أن يمزج بمهارة بين تقنيات كتابة الرواية وعناصر كتابة المسرحية، فتجد نفسك أمام عمل مسرحي متكامل في قالب روائي، تعددت فيه الشخوص الأساسية والثانوية، وتنوعت فيه المشاهد والأحداث، حتى طريقة دخول الشخصيات على خشبة المسرح، تجدها واضحة بقوة، فضلا عن الموسيقى القوية والمتناغمة مع الأحداث والتي تأتيك في خلفية كل مشهد، كل ذلك دون أن يخل بأركان الرواية وأساليب سردها في مزيج رائع يجعلك تعيش وتستمتع بكل أحداث الرواية.
بين الفانتازيا والواقع
يحيلنا الكاتب إلى واقع مليء بالتناقضات والازدواجية من خلال حلم للبطل، في جو من الفانتازيا، ليدخلنا إلى عوالم مختلفة بقفزات سريعة من مشهد لآخر ومن حكاية لأخرى، وأعتقد أن وليد علاء الدين يتقن هذه اللعبة بشكل مميز، ففي رواية “كيميا” الصادرة له عن دار الشروق أيضا، كان الحلم أحد العناصر الهامة في روايته، والذي يستطيع من خلاله طرح العديد من الأفكار والتنقل برشاقة بين فكرة وأخرى، وفي هذه الرواية استطاع أن يجعل الحلم هو المتحكم في مجريات الأمور، وتمكن من خلاله من تناول العديد من القضايا الشائكة بشكل مدهش.
لم يكن الحلم في “الغميضة” مجرد وسيلة لعرض الأفكار وسرد الأحداث، لكنه دلالة عما تمنى الكاتب أن نكون عليه، أن نستيقظ ذات يوم لنكتشف أننا كنا في حلم ثقيل، وأن كل ما نعاني منه من تشوه وزيف لم يكن سوى كابوس وأن كل هذه الوجوه التي نقابلها في الحياة ما هي إلا أضغاث أحلام وأن الأصل في الأشياء هو الجمال والنقاء.
الفطرة في مواجهة التطرف
كثيرا ما يتشدق المتطرفون بأنهم يدافعون عن الفطرة في الوقت الذي يشوهون فيه كل جميل، لذا أراد الكاتب أن يضع التطرف بمختلف أشكاله سواء التطرف الفكري أو الديني أو العقدي في مواجهة الفطرة التي يولد الإنسان عليها، ليظهر مدى الازدواجية والتشوه الذي أصاب مجتمعاتنا، وكيف يتناقض أصحاب الفكر المتطرف مع أنفسهم ومع الطبيعة، ولا يقتصر هنا على الحديث عن التطرف الديني بل كل غلوٍ وخروج عن الاعتدال والوسطية، فيبرز الكثير من العادات الاجتماعية غير السوية وكيف تبدل الأمر لتصبح هذه العادات -رغم تطرفها- هي ما تسود مجتمعاتنا، وكيف نربي أطفالنا على الازدواجية وكره الآخر.
ألف ليلة وليلة بشكل عصري
أعادنا وليد علاء الدين في “الغميضة”، إلى عالم ألف ليلة وليلة بغرائبيته وحكاياته المختلفة ورسائله الواضحه ولكن بشكل عصري وتكنيكات سرد مختلفة، واستطاع من خلال الراوي العليم أن يدخلنا إلى عوالم مختلفة ويضعنا في قلب الحدث في جو من التشويق، وذلك ما قام به بشكل مميز في فصل “حلم في حكاية وحكاية في حلم” و”حكاية السلطان والعصابة المقنزعة”.
وجبة فلسفية ممتعة
تميزت رواية “الغميضة” بالطابع الفلسفي وتحليلها لكثير من الأفكار والعادات الاجتماعية بشكل سلس بعيدا عن التعقيد أو التفلسف، ورغم كل ما تحمله الرواية من رمزية إلا أنها لم يشوبها الغموض، وتمكن “علاء الدين” أن يطرح العديد من التساؤلات ويناقش العديد من القضايا بعيدا عن الألغاز وبصورة يشعل فيها ذهن القارئ ويدفعه إلى التأمل والتدبر.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب