القائمة الرئيسية

الصفحات

حسين عثمان يكتب: فايزة وسلطان والتوثيق

 


مساء الإثنين الماضي، كنا على موعد مع حفل توقيع كتاب "فايزة وسلطان" في مكتبة البلد بميدان التحرير، في حضور مؤلف الكتاب حمدين حجاج، الناقد الكبير محمود عبد الشكور، وجمع كبير من جمهور لا يزال مسحورًا بشغف القراءة، الكتاب أحد أحدث إصدارات دار ريشة للنشر والتوزيع، ويوثق قصة حب مليئة بأسمى معاني الوفاء، بين الموسيقار الكبير محمد سلطان متعه الله بالعمر والصحة، والمطربة الكبيرة فايزة أحمد رحمة الله عليها، وتصادف أن عُقِدَ حفل توقيع الكتاب عشية الذكرى الثامنة والثلاثين لوفاة فايزة أحمد، تُوفيَت في 21 سبتمبر 1983 بعد صراع مع المرض، وهي من مواليد لبنان لأب سوري في 5 ديسمبر 1930.


لا تندهش إذا أخبرتك أن تاريخ ميلاد فايزة أحمد المذكور غير دقيق، فإذا بحثت في تاريخ ميلادها، أطمئنك بوجود أكثر من تاريخ ميلاد لها، والواقعة تمثل أحد كواليس كتاب بدأ مشروعًا لسيرة ومذكرات موسيقار بقيمة وقامة محمد سلطان، واختار هو أن ينتهي إلى قصة حب فايزة وسلطان، حتى أنه أكد على مؤلف الكتاب حمدين حجاج أن يحمل عنوان الكتاب اسمها أولًا، رغم أن الحكي حكي سلطان في الأساس، 38 سنة ولا يزال الرجل على عشقه لإنسانة اجتمع الناس على صوتها وإن اختلفوا حتمًا على شخصها، كانت حادة وتصادمية إلى حدٍ كبير، ولعل تحديات النشأة مثلت دائمًا الدوافع فيما وراء ذلك.


أما عن أصل التضارب في تاريخ ميلاد فايزة، فيعود إلى أنها كانت تكبر سلطان في السن عدة سنوات، وهو ما فضلا إخفاءه وقتما اتفقا على الزواج، ولعل وسامة سلطان وشهرته كجان في السينما المصرية قبل أن يحترف الموسيقى، مثلت هاجسًا لدى فايزة أحمد ليس فقط وقت أن مالت القلوب، ولكنه استمر بعد ذلك طوال زواج استمر سبعة عشر عامًا تقريبًا، ورغم هذا فايزة وسلطان عاشا عمرهما أحبابًا بالفعل، حتى أثناء انفصالهما وزواجها من آخر قبل أن يعودا زوجين يواجهان معًا مرضها اللعين، انشغل الناس طويلًا أيهما الفاعل الرئيسي في نجاح الآخر، ولم يكن هم أي منهما يومًا إلا نجاح الآخر.


الفارق بين المذكرات والسيرة الذاتية، أن الأولى لابد وأن يكون مرجعيتها الشخص نفسه، يدونها بقلمه أو يحكيها لمن يدونها عنه، ولابد أن تكون المذكرات موثقة بشكلٍ ما، ولكن في السيرة الذاتية لا يُشْتَرَط أن يكون مرجعيتها الشخص نفسه، يستطيع أي كاتب أو باحث أن يغوص في سيرة هذا أو ذاك، ولكن بشرط الوعي والعمق والاجتهاد في البحث، ولكنها أيضًا غير معفاة من التوثيق، وهو ما دفع الناشر شريف بكر، أحد أبرز حضور أمسية فايزة وسلطان، لأن يطرح يومها مداخلته الخاصة بكيفية توثيق ما وراء المذكرات والسيرة الذاتية، وكأنه يومها يطلق صيحة تنبيه نحو ضرورة وجود مرجعيات معلوماتية معنية أساسًا بالتوثيق.


عدة وقائع في كتاب "فايزة وسلطان" مختلف عليها، رغم أن الموسيقار محمد سلطان نفسه هو المصدر، الكاتب حمدين حجاج اجتهد إلى أبعد الحدود، ولكن يظل أنه لا توجد مرجعية تكون بمثابة الفيصل في مواجهة الجميع، وتحضرني هنا تجربة الأستاذ محمود عبد الشكور في كتابه "داوود عبد السيد" الصادر عنا أيضًا في دار ريشة للنشر والتوزيع، والذي اجتهد هو الآخر في توثيق معلوماته عن سيرة داوود السينمائية، ولكن لم يمنعه هذا من العودة إلى المصدر نفسه للمراجعة مرة أخيرة، وكانت المفاجأة في تصويب المخرج الكبير لعدة معلومات في الكتاب قبل نشره، أمسية فايزة وسلطان فتحت مجددًا ملف التوثيق، والتفاعل حتمًا مستمر. 

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات