منذ بداية مهرجان الجونة السينمائي وعين المهرجان على مهرجان كان الدولي، فمهرجان "كان" في بلدة صغيرة ساحلية وليس في العاصمة، ويعتبر أهم مهرجان دولي في فرنسا، حتى جوائزه أهم من جائزة "سيزار" التي تعد جائزة محلية (فرنسية فقط).
لعمل مهرجان يجب أن يكون هناك هوية واضحة له، وخصوصًا هذه الفترة مع تعدد المهرجانات حول العالم. فهناك الآن مهرجان لك شيء، بل لكل نوع وفكرة، وعمل مهرجان جديد يجب أن يقدم شيئا مختلفا. تزامن هذا مع انهيار وتوقف مهرجانين عربيين تم صرف الملاين عليهما وهما مهرجان دبي ومهرجان أبو ظبي. ولذلك ومع ظهور الفكرة على يد محمد خضر والممثلة بشرى رزة وعرضها على نجيب ساويرس والذي تحمس وعرضها على أخيه سميح ساويرس وضم لهما عمرو منسي لخبرته في تنظيم بطولة سكواش في الجونة، لتبدأ الفكرة.
بدون الدخول في المشاكل في البداية وفي الحماس والتجارب والأخطاء المبررة طبعًا، ولكن في عامه الخامس أصبح هناك مهرجان قائم له مكانته المحلية والعربية طبعًا، بل وله سمعة عالمية نوعًا ما. ولكن بالنظر للدورة الخامسة الآن، يجب أن نشير إلى بعض النقاط الواضحة والتي يمكن أن تناقش من قبل العاملين على المهرجان والنقاد بشكل محايد وبدون حساسية.
فالمهرجان لا يعتبر مهرجان جماهيري، فهو مقام في مدينة ساحلية عدد سكانها قليل والمهتمين بنوعية الأفلام المقدمة عدد محدود، غير أن أغلب الفاعليات مقدمة في منتجع معزول ولا يمكن الدخول له إلا لفئة قليلة وبتصاريح خاصة مما يضمن له الخصوصية ويصبح عنصر جذب كبير للفنانين.
المهرجان ليس له مكانة عالمية حتى الآن، فيصعب إقناع المخرجين بعرض أفلامهم "عرض أول" في مهرجان الجونة، الأفضل للمخرج انتظار قائمة مهرجانات طويلة حتى يصل إلى الجونة ليعرض فيلمه من خلاله. وهو ما يعمل عليه انتشال التميمي وأمير رمسيس طوال العام حتى يحصل المهرجان على بعض الأعمال المميزة، وهو ما ينجحوا فيه بعض الأحيان. ولكن ما نجحوا فيه هو الحصول على حق عرض الكثير من الأعمال الفائزة بجوائز في مهرجانات أخرى.
الفاعليات المقامة على هامش المهرجان والمخصصة للعاملين في مهنة السينما تعتبر أهم ما يقوم به المهرجان فعلًا، بل والإضافة الحقيقية للمهرجان. فـ"سيناجونة" يعطي منح وفرص حقيقية لصناع السينما الشباب وممكن أن يصبح نافذة لاكتشاف المواهب جديدة حقيقية.
على ناحية أخرى لو نظرنا للمهرجان، ماذا يمثله من أهمية للشخص العادي؟ نجد أنه ينحصر في حفل الافتتاح والختام وكل السجاد الأحمر وما يحدث عليه. مما أصبح يشكل عبئا على منظمي المهرجان وذلك لحصر المهرجان جماهيريا في هذه النقطة فقط دون النظر إلى الأسباب الحقيقية التي تعطي الأهمية لأي مهرجان في العالم.
فنجد مثلًا أن على السجادة الحمراء هذا العام لم يتم سؤال أي نجمة عن مصمم الأزياء صاحب الفستان الأنيق أو التجميل أو الحلي، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة للمصممين الذين يستغلون فرصة المهرجانات لعرض تصميماتهم والتي ممكن أن تكون مجانية للفنانين مقابل ذكر اسم المصمم كدعاية وإرجاع الفستان بعد الحفل. وفي اعتقاد المنظمين أن عدم ذكر هذا سيتحول التركيز على المهرجان وليس ملابس الحضور وهو ما لم يحدث!
الفنانين الذين يذهبون إلى الجونة وخصوصا في هذا الوقت من العام أصبح المهرجان بالنسبة لهم أجازة لطيفة مع الأصدقاء من النجوم حيث يتيح لهم المهرجان فرصة للقاء كل عام خارج حدود القاهرة وفي جو من الخصوصية والحفلات، مع فرصة لاستعراض الملابس والبوتكس.
رغم محاولة المنظمين دفع الفنانين للذهاب لحضور الأفلام أو الورش أو الفاعليات، إلا أن الانشغال بالسهر ومن بعده الاستعداد للسجادة الحمراء في المساء، لا يجد كثير من الفنانين وقتا لحضور هذه الورش والنقاشات في حالة وجود استعداد في الأساس.
في نفس الوقت لا نستطيع أن ننسى أن المهرجان هو مهرجان مستقل مملوك لشخص ومن حق هذا الشخص تمامًا أن يدعو ما يراه مناسبًا له وإلا يقدم الدعوة لمن يراه غير مناسب، وذلك بغض النظر عن ما يقدمه للفن أو أدواره هذا العام. هناك قواعد سرية غير معلنة لهذا. ولكن يمكن استنتاجها من متابعة قوائم الحضور على مستوى الأعوام السابقة. هناك أسماء هامة ومكررة أيا كان إنتاجهم في هذا العام، هناك ما يتم دعوته بناءً على إنتاجه في هذا العام (نجوم مسلسل 100 وش). هناك من لم ولن يتم دعوتهم لأسباب شخصية أو اجتماعية مهما حدث (ولكن ممكن أن يتغير كما في حالة محمد رمضان). وهناك مثلًا مغنيين يتم دعوتهم بلا سبب وأخرين مستحيل دعوتهم. وهناك ما هو منتسب للمهنة ومن هو بعيد جدًا عن الصناعة ولكنهم من المفضلين لآل ساويرس وبالتالي فهم متواجدون.
وفي رأيي العبء يقع على المهرجان نفسه في ذلك، فالاهتمام بالنجوم هي ظاهرة في العالم كله ولا يعيبها شيء بل هي من الأشياء التي تعطي وهج للنجوم، ولكن دون غياب المضمون. فبدل من منع الممثلين من ذكر المصمم ماذا فعل المنظمين أنفسهم سواء على موقعهم أو على القنوات التي تغطي المهرجان؟ هل هناك رسالة يومية للمهرجان؟ هل هناك لقاءات فنية مع الحضور – خارج نطاق الهزار – على قناة المهرجان على اليوتيوب؟ هل هناك تسجيل للمحاضرات النادرة التي سمعنا عنها لينتفع بها من لم يحضر؟ هل تم تسجيل وتوثيق الفاعليات المصاحبة للمهرجان لتصبح أرشيفًا لما بعد؟
أتذكر جيدًا يوسف شريف رزق الله، رحمه الله، وسلمى الشماع، ورسائلهما اليومية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والتي كانت علاقتي الوحيدة بالمهرجان لسنوات حتى تمكنت من حضور الأفلام، وكانت جزء من حلم السينما الذي نما بداخلنا.
من المعروف أن هناك جزء كبير من المهرجان يعتبر بيزنس لسميح ساويرس، وهذا لا يعيب المهرجان أبدًا. فالجونة وشركة أوراسكوم هي مطور عقاري وتستغل كل الأنشطة المقامة فيها للدعاية للمكان والبيع لمشاريعها المستقبلية. مع العلم أنه كأي مشروع في البداية مستعد لتقديم الكثير من التمويل، ولكن الآن متوقع من المشروع أن يغطي مصاريفه، بالتالي فهناك تذاكر لحضور المهرجان وفاعلياته وحفلاته تبدأ من 3000 إلى 9000 وتصل إلى 20000 جنيه.
كذلك ما حدث من خلاف مع الفنانة يسرا التي تعتبر صديقة مقربة من آل ساويرس وأيضًا عضو أساسي في المجلس الاستشاري الدوري للمهرجان منذ تأسيسه. ودون الدخول في تفاصيل لكن ما ظهر من بيانات صحفية ومحاولة الإصلاح التي تمت في المؤتمر الصحفي وحفل الافتتاح يمثل دليلا أخر على ما ينقص المهرجان؛ فالمهرجان كل عام يختار شخصية ليتم تكريمها دون توضيح من الذي يختار أو كيفية الاختيار.. من عادل إمام إلى محمد هنيدي. ومن الملاحظ أن المكرمين لا يحضرون المهرجان قبل أو بعد التكريم. ولو شعرت يسرا أن من حقها أن تكرم في هذا المهرجان فهذا أقل شيء يقدم لها، رغم أن هذا سيفتح بابً أمام بطلات كثر ليتم تكريمهم في الفترة القادمة، ولكن انتشال التميمي من حقه استشعار الحرج لتكريم عضو المجلس الاستشاري لما به من تضارب المصالح، لأنه من المفترض أن المجلس هو من يختار الشخصية المكرمة. حتى لو فازت هند صبري بجائزة من المهرجان فمن أعطاها الجائزة هي لجنة محايدة وهي ليست عضوا فيها.
في النهاية فمهرجان الجونة يعاني من مشكلة انفصام في الشخصية، فجزء منه مهرجان سينمائي وجزء آخر بمثابة "فسحة فنانين" وجزء عرض أزياء واستعراض إمكانيات، وجزء للنخبة والشلة، وجزء مهني مهم ومطلوب الاهتمام به أكثر.
بالتأكيد فكرة أن هناك مهرجان جديد خاص وناجح يعتبر إضاءة في الفضاء الثقافي المصري والعربي، لكن الهدف هنا أن نصل به إلى شكل أفضل ونشير إلى ما يمكن تغييره للأفضل حتى يكتمل بشكل مميز.
للتواصل مع الكاتب من "هنا" أو من خلال التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب