زهراء إسماعيل
يقال إن الروايات هي مرآة للواقع مهما قل تأثر الكاتب به، كما يقال إن الحياة بها ما يفوق كل خيالات ومحاولات الروائيين مجتمعة على تجسيده، وفي رواية "عزيز ورد" للكاتبة هند سعد الدين، تجد من الواقع جزءا يسيرا، ومن الخيال جزءا أكبر، ويبقى الواقع دوماً عصياً على التجسيد.
تبدأ الحكاية مع العم "عزيز" النوبي الذي شاء له القدر أن يولد في قرية "أبو حنظل" إحدى قرى محافظة أسوان، والتي صدر قرار بتهجير سكانها لبناء السد العالي، نرى بعيون "عزيز" محاولات السكان لمقاومة قرار التهجير ومحاولات الحكومة المصرية للتعويض عنهم، قرار البعض بالرحيل الاختياري بينما قرر البعض الآخر انتظار القدر، فإما نجاة وإما موت محقق مع بقايا ذكريات وعالم يتغير للأبد، تكتمل رحلة عزيز بالتيه عن أهله أثناء التهجير واستقراره في قرية "منشية النوبة"، إبناً رابعاً للعمدة الذي خيره بين التعليم والعمل فاختار العمل بإباء وكرامة تناسب طفلاً نشأ في كنف رجال يقتاتون مما يزرعون. يكبر "عزيز" ويكبر معه حبه لـ "ورد" زينة بنات القرية وحبه الأول، لتبدأ محاولات الطرفين المستمرة للنجاة بحب مستحيل تكون معه نهاية أحدهما وفاءً لتقاليد بالية وعادات مقيتة.
يكمل "عزيز" رحلته بعد مقتل حب عمره، يرسل له الله رحمة تتمثل في"ليل" الطفلة اللقيطة التي لان لها قلبه من أول لحظة فقرر تبنيها وإعطائها اسمه حتى شبت عن الطوق، "ليل" التي عانت أغلب حياتها من تهيؤات وهلاوس غير مؤذية ولكنها كانت كافية للاستغناء عن الجميع حتى ظهر "بحر" من العدم، وبقرار للعم "عزيز" كان العمل مع "بحر" وتطورات مستمرة في شخصيتها الإنطوائية حتى الوصول لمنعطف حياتي يغير مصير كلاهما.
ألقت الكاتبة الضوء على كثير من القضايا، بداية من "التهجير" القضية التي قل تناولها في الروايات المصرية خاصة الحديثة، وصفت بدقة مشاعر المهجرين قبل التهجير وبعده، الألم الذي شق قلوبهم حتى تمنى البعض الموت على أرضه بدلاً من الرحيل إلى صحراء لا يدرون عنها شيئاً رغم الوعود البراقة من مسؤولي الحكومة، كما ناقشت بعض عادات الصعيد البالية والتقاليد التي لا ترحم أحداً في علاقة حب طاهرة بين "ورد و عزيز" حتى أن التقاليد لا تستثني علاقة توجت بزواج شرعي لمجرد أنه تم بدون موافقة الأهل على نسب لا يلائم قامة ومكانة أهل العروس، حتى لو هرب المتحابان إلى أرض جديدة، فالتقاليد تحتم الانتقام بقسوة مفرطة خاصة من البنت التي هربت من أهلها ولو كان الفرار إلى حياة سوية يرضاها الله ولا ترضاها تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، فكانت نهاية "ورد" قاسية تليق بتقاليد لا ترحم.
أجادت الكاتبة وصف النفس البشرية وصراعاتها المستمرة، ف شخصية "ليل" ومعاناتها من أزمة ثقة نتيجة تخلي أمها عنها، مما جعلها تبني جدار حول قلبها وتمنع نفسها تماماً من التقرب من أي شخص سوى "عزيز" ، فكانت النتيجة شحصية تصادمية إلى حد كبير، ترسم حياتها وخطواتها بدقة لا تقبل الحياد ولا المرونة عن مسار بعينه، خوف مرضي أدى لوقوعها فجأة في حب شخص واحد نال ثقتها وثقة "عزيز" وبدأ الصراع بين "العقل والقلب" من أول لقاء وحتى نهاية الأحداث.
كان "بحر" أحد رفاق المعاناة وسكان الظل، فالشاب الذي يراه الجميع مرفهاً ذو مستوى مادي مرتفع وحياة مهنية ناجحة يعاني من الوحدة الشديدة والفراغ الكبير حتى كان لقائه "ليل" وتغيير مسار حياته بالكامل، يبدأ الصراع لنيل ثقتها ومن ثم قلبها والإستحواذ الكامل عليه. يدفع "بحر" كما الجميع أخطاء حياة سابقة طواها النسيان بالنسبة له، وكان الحساب في توقيت هو الأصعب على الإطلاق.
أجادت الكاتبة ربط الأحداث بين الماضي والحاضر، رجوع مستمر بالزمن ولكن بدون فقدانها السيطرة على مسار الرواية وبتمكن مميز من أدواتها، كما أجادت الوصف لأغلب مشاهد الرواية فكان بعضها لا ينسى سواء من البهجة أو من القسوة، كما جاءت اللغة رصينة لم أنزعج الحوار الذي مزج بين اللهجة العامية ولهجة أهل الصعيد واللهجة الإسكندرانية بتمكن لغوي ممتاز تبعاً للحوار على لسان كل شخصية، كما كانت التعبيرات اللغوية قوية بدون تقعير أو استعراض لغوي على القارئ، كما أجادت الكاتبة ربط الأحداث بأغاني كلاسيكية لكلاً من كوكب الشرق أم كلثوم وفيروز، بدون حشو وبتمازج رائع للأحداث.
للتواصل مع الكاتبة من "هنا" أو من خلال التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب