خميلة الجندي
الصالون هو كلمة معربة عن اللغة الفرنسية (Salon)، وتعود جذورها للغة اللاتينية (ٍSallon) أو الچرمانية (Saloon)، على أي حال هي كلمة دخيلة على اللغة العربية وتشير إلى غرفة في المنزل مخصصة لاستقبال الضيوف البارزين، والمعارف من غير الأهل والأقارب.
جذور الصالون الأدبي
ظهر الصالون الأدبي في الغرب لأول مرة في شكله المتعارف عليه دون أن يُمنح اسم بعينه يميزه وذلك في إيطاليا في منتصف القرن السادس عشر تقريبًا. غير أن العديد من المراجع تتضارب بشأن تاريخ وظروف نشأة الصالون الأدبي الغربي الأول، لكن الأكيد أن الفكرة تبلورت وازدهرت فور انتقالها إلى عاصمة النور باريس وذلك في القرن الـ17. من باريس عُرف الصالون الأدبي بمسماه الحالي، وكان يُعقد في منازل النبيلات والبارونات. في أعقاب الثورة الفرنسية أصبح الصالون الأدبي يحمل شعار الجمهورية: حرية، مساواة، أخوة. ومن هذا المنطلق صارت الصالونات الأدبي من حق الجميع، تُعقد في منازل النبلاء، وعلى مقاهي البسطاء على حد سواء، حتى أن بعض الصالونات كانت تُقام في هيئة حلقات في شوارع العاصمة.
سوق عكاظ.. صالون الشرق الأدبي
من المرجح أن العرب عرفوا الصالونات الأدبية قبل الغرب بقرون، ربما اندثرت هذه الحقيقة إثر اضمحلال الأدب العربي في العصور الوسطى - فترة حكم الدولة العثمانية للمشرق - ولكنها حقيقة يتوجب الإشارة إليها والتعرض لها. ألم تقف الخنساء في أيام عصر الجاهلية - أقوى العصور الأدبية بلاغة وفصاحة - لتلقي شعرها في سوق عكاظ؟ ألم يتجمع الناس في حلقات حول أصحاب المعلقات ليلقوا معلقاتهم ارتجالًا؟ في عصر صدر الإسلام يمكن أن نعتبر خطب الجمعة لونًا من ألوان الحلقات الأدبية، بالطبع دون المساس بقدسيتها ودورها الهام في السمو الديني والروحي، ولكن الخطابة هي فن من فنون الأدب التي سبق العرب كل الأمم إليه. من هذا المنطلق يمكنني الزعم أن الشرق سبق الغرب في فكرة التجمع في حلقة لتبادل الأخبار والأفكار الأدبية، أو الالتفاف حول شخصية أدبية بارزة ومتابعته يتلو آخر ما أنتج من إبداع. كل ما كان ينقصنا هو منحها الاسم الملائم.
أشهر الصالونات الأدبية في القرن العشرين
يجدر الإشارة إلى أسبقية مصر والشام في تبني فكرة الصالونات الأدبية في المشرق الحديث، وأشهر هذه الصالونات هو صالون الكاتبة اللبنانية - الفلسطينية مي زيادة، ويليه في مراتب الشهرة صالون العقاد الذي عُقد كل جمعة. ومن الصالونات الحديثة صالون الدكتور حامد طاهر، وهو شاعر وأديب مصري شغل منصب نائب رئيس جامعة القاهرة، وكان يعقد صالونه في منزله بالدقي يوم الإثنين الثاني من كل شهر.
هل مجموعات القراءة هي صالونات العصر؟
يمكن الإجابة إما بنعم أو بلا عن هذا السؤال. كل قارئ سيجيب بما يهوى. وإن وضعنا السؤال في إطار أكثر تخصصية، فبلى. بعض مجموعات القراءة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعقد أنشطة تشبه تمامًا ما كان يُعقد من أنشطة في الصالونات الأدبية، بل وتضيف ما يتناسب مع روح العصر مثل المسابقات والجوائز والأسئلة اليومية، والتفاعل الدائم بين الأعضاء وبعضهم البعض. هكذا نرى المجموعة تمنحك رفاهية التواصل مع كاتبك المفضل ليس مرة واحدة في كل شهر أو عدة أشعر، بل كلما وددت أن تطرح عليه سؤالا كتبته وضغطت زر إرسال ليتفضل ويجيبك حين تسنح له الفرصة. لكن. كم مجموعة قراءة نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "فيس بوك" مهد هذه المجموعات؟ ربما لو منحت لذاتك الفرصة لتفكر في إجابة السؤال لن يقل الرقم عن 10 مجموعات وردت في ذهنك.
والحقيقة أن الرقم الفعلي يفوق أضعاف هذا الرقم. وهي نقطة الضعف الأولى والأكبر والتي تمثل لي السوسة التي تنخر في جسد الثقافة في مصر تحديدًا. نرى من بعض المجموعات تصرفات منافية للآخر، أو تبادل للروايات والكتب المسروقة، أو سبّ هذا الكاتب أو ذاك وسبّ نجاحه وشهرته - دون التعرض لمهاراته ومميزاته الأدبية أو نقده بصورة أدبية - في حملات ممنهجة لا نفهم لها هدف سوى أن هؤلاء يعيدوا إلى أذهاننا جماعة الصبية الهاربين من المدارس يقفوا على ناصية كل شارع لإلقاء المارة بالحجارة والركض بعيدًا بغرض التسلية. كيف يمكن اعتبار هذه الممارسات الفجة جزءً من صالون أدبي؟ هي بالأحرى ممارسات تدق جرس إنذار يصدح عاليًا مستنجدًا بالقلة العاقلة المتبقية من القراء للبحث في أسباب هذا التدهور، تجنبه، وتطهيره من وسطنا الثقافي.
إذا تنامت هذه الأفعال الصبيانية، هذه السرقات العلنية، والسب والقذف الممنهج، والدعاية مدفوعة الأجر لأصحاب أقلام لا يستحقون لقب كاتب أو كاتبة ستأتي السنوات القادمة بمزيد من الهزل، وسنشعر نحن - القراء - بالعجز أمام هذا السيل الجارف من الوضاعة والاضمحلال، ربما نحن نجلس على مقاعد مريحة في مجموعاتنا المفضلة التي تقدم محتوى يستحق المتابعة والدعم، لكن الآلاف اتخذوا من مجموعات يديرها حفنة من المتكسبين أو أصحاب العلل النفسية مرجعية كاملة لوعيهم الفكري والثقافي.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب