القائمة الرئيسية

الصفحات

المختطفات.. بين قسوة الحياة والانتهاك باسم الدين

 


زهراء إسماعيل


في قراءة أولى لكتب الصحافة الاستقصائية كانت قراءتي لكتاب"المختفطات"، الصادر عن دار العربي للنشر والتوزيع، بترجمة الدكتورة علا عادل.


يستعرض الكاتب نشأة جماعة بوكو حرام في نيجيريا، بدايات الانتشار والتحول إلى الانتشار المسلح ومهاجمة القرى وأماكن تمركز قوات الأمن، كذلك أبرز زعماء الحركة وأسرار تحولها من السرية إلى العلنية، ومصير كل قائد منهم، وكيف تحولت الجماعة نفسها من الولاء للقادة المحليين إلى الانتماء لتنظيمي"داعش"، وسر تمركز الجماعة في الغابة الملعونة والتي تعرف باسم "سامبيسا".


على مدار حوالي 280 صفحة كانت الحكاية كاملة، على لسان النساء المختطفات من قبل جماعة بوكو حرام، مثل "تالاتو" و"سعدية" و"بتولا" و"رابى" (وكلها أسماء مستعارة رغبةً من الكاتب في حمايتهن)، والتعرف على الخلفية الاجتماعية لكل واحدة من الضحايا على حدى، وكيف تغيرت الحياة قبل وبعد ظهور الجماعة على الساحة السياسية في نيجريا، ثم يكون الحديث عن كيفية وقوع كل سيدة في أسر الجماعة، والأهوال التي عايشتها في مرحلة الأسر.


نستطيع بسهولة تخيل العذاب المحيط بهؤلاء المختطفات بمجرد وصف الكاتب لغابة "سامبيسا" والتي تتميز بغابات كثيفة وأشجار متشابكة حد أنهم لا يشعرون أحياناً بهطول المطر رغم غزارته، تسكن كل أسرة مهما كان عددها حول جذع شجرة بجوار أفاعي الغابة وحيواناتها المختلفة، مما عرض البعض للسعات مميتة خاصة مع عدم توفر الحد الأدنى من الرعاية الطبية والأمصال، كيف يتأتى ذلك في غابة يعجز حتى الجيش النيجيري على مهاجمتها إلا من علو شاهق، تكون دوماً النتيجة هي ضحايا جدد أغلبهم من النساء والأطفال. 


لم تكن الغابة فقط هي العذاب الوحيد الذي واجهته النسوة، فالبداية تكون دوماً في مرحلة الخطف نفسها، الهجوم الخاطف للجماعة على القرى فيفر من تحمله قدماه ويكون الموت أو الأسر على أحسن الفروض مصير البقية، وحتى بعد الفرار من الأسر تعاني النسوة العائدات من عزل مجتمعي بالغ القسوة ويوصم الجميع بالخيانة والتواطؤ خاصة مع حالات الاغتصاب والحمل المتكرر من أعضاء الجماعة.


حرص الكاتب على سرد ملابسات احتلال "بوكو حرام" للقرى، حيث تحرص الجماعة على مهاجمة القرى المتاخمة للغابة لسهولة السيطرة عليها بحكم التركيبة السكانية والتي يكون أغلبها من المزارعين وقربها من مناطق نفوذهم في الغابة التي تحولت إلى ما يشبه دولة بداخل دولة، كما كان للصراعات الدينية المسلحة دور بارز في عزل القرى عن بعضها خاصة مع هجمات سابقة للجماعة على قرى مسيحية فما كان من السكان المسيحين إلا أن سيجوا قراهم بشكل يصعب على أي غريب الدخول لها ربما مبالغة في الحماية وربما للانتقام ولو غير المباشر ممن يدينون بنفس دين الجماعة المسلحة، كما كان للخونة دور بارز للغاية في السيطرة على القرى واحتلالها، حتى بعد السيطرة التامة على القرى تبدأ الجماعة في فرض النفوذ الديني بعد التخلص من كل من يعارض القوانين الجديدة باسم الدين وتطبيق الشريعة، وضع أمير على رأس كل قرية يتراوح دوره بين مجرد تنفيذ الأوامر والإيفاء بمتطلبات القادة أو الحرص على تأمين القرية وتطبيق حدود الله على طريقتهم الخاصة.


اللافت للنظر هو عملية غسيل المخ الذي يتعرض له الجميع بلا استثناء، فالبعض يتحول طواعية لأحد أعضاء الجماعة، لم تسلم النساء المختطفات منه إلى درجة تحول البعض منهن إلى "انتحاريات" يفجرن أنفسهن في أماكن حيوية في البلاد.


الكتاب صادم، مرعب وواقعي للغاية، أعجبني طريقة السرد والمعلومات التي جاءت في سياقها الصحيح من الشهادات، كما يحسب له الابتعاد عن التفاصيل المؤلمة والحساسة، فكان الكتاب تأريخا للشهادة وليس سرد تفاصيل كما جاءت بعض الكتب الأخرى.


نرشح لك: المختطفات.. رحلة مؤلمة داخل العالم السري لجماعة "بوكو حرام"


author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات