يوسف الشريف
ما هو تعريف التاريخ؟ وكيف يمكن روايته؟! ولماذا نحتاج إلى قراءته؟! لا بد من أن تسأل نفسك هذه الأسئلة الهامة، لكي تعرف الهدف الحقيقي الذي يجعل المؤرخ أو الكاتب أو الفنان يتناول فترة ما من التاريخ ليكتب عنها، وما الهدف من قراءتك أنت لهذا الكلام.
وفي كتاب "أفيون وبنادق" الصادر عن دار المحروسة، يركز المؤرخ والكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى بطريقة غير مباشرة، على أهمية وضرورة قراءة التاريخ كي نستفيد به في واقعنا الذي نعيشه الآن، ولكن ربما تسألني.. وما هي الفائدة من قراءة كتاب يتحدث عن مجرم عاش في صعيد مصر لفترة ما وتم القبض عليه؟
لذلك أقول لك إن عبقرية الكاتب تظهر في الطريقة التي تناول بها الموضوع، فهو هنا لا يتحدث عن سيرة "الخط" هذا المجرم فقط. بل يتناول ويؤرخ لفترة من أهم فترات التاريخ المصري، وهي الفترة السابقة لثورة 1952.
وبأسلوب روائي ممتع وجذاب وشيق يأخذك صلاح عيسى لتغوص في أعماق المجتمع المصري، وترى أشياء ربما كانت مجهولة بالنسبة لك، فأنت ترى مدي التراخي والتدهور والجهل والفقر الذي كان يعاني منه المجتمع في العصر الملكي، أنا أعلم أن هذه الحقيقة قد تبدو صادمة للبعض، ولكن هذه حقيقة موجودة داخل الكتب ولا سيما الكتاب الذي نتحدث عنه الآن.
"لكن علاقة أولاد الليل بالفقراء كانت علاقة حب متبادل، كان البسطاء من الناس يجدون في عنفهم ضد المتجبرين والطغاة، نوعا من التعويض عن عنفهم المكبوت، وعن فعلهم المحبط، ربما نالتهم منهم أحياناً بعض العطايا، لكنهم حتى لو لم يأخذوا شيئاً فهم يكتفون بذلك التعويض النفسي الذي يجدونه عندما يذل أولاد الليل هيبة الكبار والأغنياء ولصوص العرق"
في تلك الفترة كان أغلبية الفقراء والبسطاء، والذين كانوا يمثلون أكثر من نصف عدد سكان مصر في تلك الفترة بكثير، هؤلاء الحفاة، كانوا يجدون في أولاد الليل جزء من تحقيق أحلامهم، وهو أن أولاد الليل هم القادرون على أن ينالوا احترام الجميع بقوة السلاح، ولاسيما أن ينالوا احترام طبقة أصحاب الأرض من الأثرياء.
هذا عن الجانب السياسي الذي يوضح مدى تراخي واضطراب النظام الحاكم في تلك الفترة، وكيف كان يعيش المصريون في صعيد مصر بعيداً عن العاصمة التي حاولت السينما المصرية قبل 1952، أن تظهر أن مصر جميلة وأن أهلها كانوا لا يواجهون مشاكل في العيش، في حين أن الحقيقة كانت تقول أن الفقر والجهل يأكلان الناس أكلاً في ريف مصر وأقاليمها وفي الصعيد، ولذلك كان لا بد من ظهور فئة جديدة، فئة تملك القوة، تستطيع إرهاب الفئة القليلة المتحكمة في باقي الشعب، وأن ترهب الحكومة والنظام بأكمله، وهي فئة "أولاد الليل".
ولكن في الكتاب يتحدث أيضاً صلاح عيسى عن الجانب النفسي والإنساني لشخصية المواطن المصري محمد محمود منصور الشهير "بالخط"، هذا الإنسان الفقير المعدم الذي عمل في صيد السمك، كيف تحول إلى مجرم وسفاح؟
الكتاب يطرح هذه السؤال الهام، ولكن لا يجيبك عليه، بل يقدم لك عدة معطيات لتستخلص منها الإجابة التي تراها مناسبة، فتقول هل زيادة الفقر في المجتمع يمكن أن يزيد من عدد اللصوص والمجرمين؟ هل من الممكن دهس كل القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية وحتى الدينية لأننا داخل الكتاب نرى جد المجرم كان مقرئ للقرآن وأن المجرم كان يحتفظ بنسخة من القرآن حتى تم قتله بسبب الضغط الاقتصادي على تلك الفئة المهمشة التي لا تملك من الحياة سوى كرامتها التي خسرتها شيئا فشيء؟! فلم يتبقى لهم سوى الهروب من كل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية نحو شيئين لا ثالث لهم، أن يصبحوا مغيبين بالمخدرات ولا سيما الأفيون، وأن يحاولوا الدفاع عن المتبقي من كرامتهم بالبنادق.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب