القائمة الرئيسية

الصفحات

 "عزيزتي سافو".. حينما يقع المبدع بين قسوة الحياة و"حبسة الكتابة"



عرفة محمد أحمد

عن هواجس الكتابة والأرواح «القلقة» التي تبحث عن الحرية وتحقيق أحلامها في حياةٍ صاخبةٍ وقاسيةٍ أحيانًا، تدور أحداث رواية «عزيزتي سافو» الصادرة حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للقاص والروائي المصري هاني عبد المريد، والذي يُقدم لنا نموذجًا عن روائيٍّ شابٍ هو خالد عبد الحميد مشغول طوال الوقت بالإجابة عن التساؤلات الخاصة بالكتابة والإبداع والبحث عن الحرية.


يعيش هذا الروائي الشاب مُطاردًا من ناشرته «ميليسا منير» صاحبة دار «نفرتاريّ للنشر والتوزيع» والتي وقعت معه عقدًا يُلزمه بتقديم روايةٍ لها قبل 31 ديسمبر كل عام ولمدة خمس سنوات، مقابل راتب شهري 3 آلاف جنيه، هكذا صارت تعاملة وكأنه آلة، ولكنه لسوء حظه يقع فريسةً لـ«زنقة الكتابة»؛ فرغم أنه صار في شهر أكتوبر، فإنه لا يمتلك فكرة روايةٍ، ولم يكتب كلمةً، بينما تُطارده «ميليسا» تلك المرأة التي دخلت مجال النشر بأموال زوجها الراحل ضابط المخابرات، طمعًا في مكانةٍ اجتماعيةٍ مرموقةٍ تنجح في تحقيقها بالفعل، وتخطط أن تصير دار النشر التي تملكها مؤسسةً حقيقيةً بها موظفوها، ولها كتابها.


عبر تلك «الخلطة» يدخل بطل الرواية في مرحلةٍ مرتبكةٍ؛ طوال الوقت يتخيل شخصياتٍ في غرفته المكتظة بالكتب، ويفكر في كتابة رواية رعبٍ عنهم، وأحيانًا يحاول الكتابة عن سكان البيت الذي يقطنه، ولكنه يتساءل: «ماذا سيكتب عندما يأتي دوره لأنه من سكان هذا البيت أيضًا؟».


وسط هذه الأزمة يجد نفسه مقتنعًا بضرورة الابتعاد عن الكتابة الآمنة التي قدَّم من خلال أعمالًا مضمونة التوزيع، ولكن يقرر كتابة أكثر فنيةً لأن عقده مع صاحبة دار النشر أمَّن له قوت يومه.


عندما يتناول أي عمل أدبي - قصة أو رواية - حياة وهواجس كاتب، مباشرةً يربط القراء بين بطل هذا العمل وكاتبه الحقيقي، بل إنَّ كثيرين قد يرون أن تلك الرواية أو القصة جزءًا من السيرة الذاتية لهذا الكاتب.



في حديثي معه، يقول القاص والروائي هاني عبد المريد: «لا أستطيع القول إنَّ خالد عبد الحميد بطل رواية سافو هو أنا، ولكن بالطبع كلنا قد نكون واجهنا مشكلة حبسة الكتابة، أحيانا تكون شغال على كتابة رواية، وفجأة تتوقف، ولكن تلك الأزمة لها حلول عديدة بالطبع».


بعيدًا عن بطل الرواية خالد عبد الحميد، يجد القارئ نفسه متورطًا في حياة ثلاثة شخصياتٍ بالعمل هم «بولا» الفنان التشكيلي القادم من الصعيد، والذي يعاني الفقر وتأخر الإيجارات عليه لدرجة طرده من السكن، ومن هنا يأتي لشقة صديقه خالد، وكذلك «أشجان»، فتاة الليل التي صارت صديقةً لهما، الكل هارب من متاعبه، أرواح تعاني القلق، وتبحث عن الونس والدفء، يجتمع الثلاثة؛ خالد، بولا، أشجان، في شقةٍ واحدةٍ فيتحقق شعور ما بالأمان والونس، ويسرد كل منهم أحلامه ومخاوفه.


أما الشخصية الثالثة التي نجدها تُحيط بالروائي خالد عبد الحميد، ويتورط القارئ في تفاصيل حياتها، فهي الشاعرة اليونانية «سافو».. وهي شخصيةٌ حقيقيةٌ عاشت في القرن السابع قبل الميلاد، وكانت معارضةً سياسيةً تعرضت للنفي، وحققت شهرةً واسعةً لدرجة أنَّ صورتها سُكَّت على العملة، ووصلت أشعارها إلى مصر، وعُثر عليها داخل مقبرةٍ فرعونيةٍ ملفوفةٍ على جسد مومياء في أحد توابيت وجوه الفيوم.


تزور «سافو» خالد في مناماته، وتصير مع الوقت مُلهمته، ويبحث في الكتب عن سيرتها وصورها، بل تتعاطف معه تلك الشاعرة اليونانية في أزمته الخاصة بـ«زنقة الكتابة»، وتحاول إقناعه أنها وهمٌّ؛ فـ«الكتابة كأقدار الآلهة، عندما تُحدَّد لا شيء يقف في طريقها».


يكشف «عبد المريد» السر وراء اختياره الشاعرة اليونانية «سافو» لتكون من أبطال الرواية، ويعود إلى مجموعته القصصية «أساطير الأولين» - صدرت عام 2012 عن دار ميريت للنشر والتوزيع - ويقول إنَّه كتب قصة عن الشاعرة اليونانية «سافو» في تلك المجموعة.


يتابع: «سافو شخصية ثرية، وأنا استغربت من عدم وجود عمل أدبي يتناول حياتها، ويا ريت حد يكتب عنها بصورة مغايرة لي»، مشيرًا إلى أنه رغم ثراء تلك الشخصية فإنه أخذ منها ما يتناسب مع العمل وروحه، وأنه ابتعد عن النقاط المثيرة للجدل مثل أن تلك الشاعرة «مثلية الجنس»، فضلًا عن أن العمل (أي رواية عزيزتي سافو) لا يحتمل.


يقول «عبد المريد» إنَّه قرأ كثيرًا عن تلك الشخصية، والشخصيات المعاصرة لها، لافتًا إلى أنَّ فترة التجهيز للعمل قد تكون هي الأسهل في الموضوع، ولكن بداية الكتابة قد تكون صعبةً، ولكن عندما تصل إلى روح الرواية، هنا لا يكون هناك مشكلة في الكتابة.


تتقاطع حياة الاثنين؛ الروائي خالد عبد الحميد والشاعرة اليونانية «سافو» في مشاهد خاصة بـ«القلق النفسي» والكتابة التي تُطرّح بشأنها التساؤلات طوال أحداث الرواية: هل يمكن أن تجعل الإنسان سعيدًا؟ فقد ترك خالد أسرته وأموال والده من أجلها، وفي النهاية أرسلوا له «الفتات» بعد رحيل الأب؛ هنا يحضر صوت «سافو» لمحاولة إقناعه أنَّ الكاتب يكون قد أدى دوره عندما يعبر عن نفسه في كتابته، وأن يُخلص فقط لما يُقدم من فنٍ، وأن يحاول دفع هذا الفن إلى الأمام.


يرى «عبد المريد» أنَّ الشاعرة اليونانية «سافو» كان لها حضور، وخبرتها أكثر من بطل الرواية خالد عبد الحميد فيما يخص الكتابة وأسئلتها المقلقة، وبالتالي تصير مع الوقت مُلهمته، وتنقذه من المشكلات التي يواجهها في الكتابة.


يتابع: «أنا لا أحب كتابة أو قراءة عمل عن أحدٍ، ولا أميل أيضًا للكتابة التاريخية، وفي الوقت عينه كنت مولعًا بتفاصيل حياة الشاعرة اليونانية (سافو)، وعندما قرأت أشعارها، لمستني، ولكن كانت المشكلة تتعلق بكيفية الكتابة عنها، ولكن تحققت المعادلة عندما صارت (سافو) خطًا رئيسًا في الرواية، ومن خلال تفاصيل بسيطة، وليست رواية تاريخية».


كما قلنا تتقاطع حياة «خالد» و«سافو» في مشاهد خاصة بالكتابة، فبينما ترفض الشاعرة اليونانية الكتابة عن ابن عائلةٍ ثريةٍ فاز بإحدى بطولات الأولمبياد، تحقيقا للحرية التامة التي تريدها لكلماتها (يقول الكاتب هاني عبد المريد إنها واقعة ليست حقيقية - يرفض «خالد» أيضًا كتابة رواية عن «بارثلميو يني»، جد الناشرة ميليسا منير، والذي نفذ حكم المحكمة العسكرية التي أُقيمت لـ«سليمان الحلبي» وزملائه في قضية اغتيال الجنرال كليبر.


«ميليسا» تُحاول إظهار جدها «بارثلميو» أنه لم يكن خائنًا؛ بل رجل صالح يحترم طبيعة عمله، يحترم العقد المبرم، بينما وصفه «الجبرتي» بـ«أنه من أسافل الأروام المقيمين في مصر»، والذي كان متخصصًا في تنفيذ الأعمال القذرة للحملة الفرنسية».


يهرب «خالد» من تلك الورطة بفضل إلهام «سافو» التي تُقعنه بضرورة كتابة روايةٍ عن سيرته، يفعل ذلك، بينما يُقدم لـ«ميليسا» روايةً سيئةً بأحداثٍ عاديةٍ عن الحب والخيانة، كنوع من أنواع الالتزام بالعقد، تكتشف الناشرة تلك الخدعة، وتهدده بأنه إن لم يقدم الرواية- المطلوبة منه، فإنها ستنشر تلك الرواية السيئة و«تفرم» مستقبله الأدبي، وبالفعل تنفذ التهديد، ولكن لسوء حظها، تنجح الرواية، وتصير من المؤلفات الأكثر مبيعًا.. بينما تصاحب «سافو»، خالد عبد الحميد، لسنواتٍ وهو يدوّن ويُعدّل في روايته الحقيقية، أو سيرته.


نشر الكاتب هاني عبد المريد أعمالًا أدبيةً مع دور نشر خاصة كبرى مثل: «بتانة»، «المصرية اللبنانية»، «ميريت»، «الكتب خان»، ثم جاءت أحدث أعماله رواية «عزيزتي سافو» من خلال النشر الحكومي في الهيئة المصرية العامة للكتاب.


يقول «عبد المريد» إنَّ النشر من خلال الهيئات الحكومية له مميزات عدة، أبرزها وصول الكاتب إلى قارئ جديد؛ فالهيئة العامة للكتاب لها منافذ كثيرة، والكتاب يصل إلى الصعيد والدلتا، فضلًا عن السعر المخفض، مشيرًا إلى أن هذه عوامل قد لا تتوفر في النشر في الدور الخاصة.


صدر لـ«عبد المريد» من قبل «إغماءةٌ داخل تابوت»، قصص، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003، «عمود رخامي في منتصف الحلبة»، رواية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، شجرة جافة للصلب، قصص، المجلس الأعلى للثقافة، 2005، «كيريالسيون»، رواية، طبعة أولى الدار للنشر والتوزيع، 2008، طبعة ثانية، دار خطوط وظلال - الأردن - 2020.


من أعماله الأخرى: «أساطير الأولين»، قصص، ميريت للنشر والتوزيع، 2012، «أنا العالم»، رواية، الكتب خان للنشر والتوزيع، 2016، «تدريجيا وببطء»، قصص، بتانة للنشر والتوزيع، 2017، «محاولة الإيقاع بشبح»، رواية، الدار المصرية اللبنانية، 2018، «من شرفة بيتهوفن»، قصص، الدار المصرية اللبنانية، 2020.


author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات