القائمة الرئيسية

الصفحات

ربع قرن لاقتناص تنهيدة.. رقصات المشاعر على أعصاب مكشوفة



محمد أسامة


اسمحوا لي كبداية أن أقول إنني من مناصري النثر والقصة على حساب الشعر، ليس ذلك ذم أو مديح، بل ربما توضيح لصعوبة أن يلتقط ذهني تلك الومضة الشعورية إلا بلزمات السرد والحوار، أو يكون لها مشهد ممهد كإلقاء الممثل السوري عبد المنعم عمايري قصيدة الدارة السوداء بصورة مؤثرة، أو الممثل أحمد حلمي بإلقائه القصيدة العامية لميدو زهير «أزرق»، ولعل ذلك ما أجده التماسًا للعذر إليكم إن فاتتني تفصيلة عن ديوان "ربع قرن لاقتناص تنهيدة" للشاعرة مروة مجدي، والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.


- الشعر وتجسيد المعاناة


مما ألتقطه من مقطوعات شعرية بداية من مرحلة مبكرة في «كتاب أزجال صحفية» لصلاح جاهين وسماعي لرباعياته، أو هنا في مقتطفاتٍ عن القدامى مثل رياض الصالح حسين ونجيب سرور ومحمود درويش وعبد الرحمن الأبنودي، والشباب كطارق الجنايني وإيمان جبل، وصولًا لما ألتقطه أثناء الدراسة من مقتطفاتٍ عن بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور وما درسته عن تلك المدرسة، أستخلص أن كل هؤلاء يجمعهم الجمع بين الاهتمام الشديد بالذات وتجاربها والواقع بعلاته، ولكن تجمعهم علاقة أخرى أوثق وهي تجسيد المعاناة بصورة حية وتحويل الشعور لشخوص تتحرك.


وبالعودة لديوان "ربع قرن لاقتناص تنهيدة"، ومن قصيدة «لست شاعرة سوى بشيء ما»، وقصيدة «أحضان تتمزق»، وقصيدة «عناق دافئ لحائط» تتضح أمامنا تلك الفكرة، ففي القصيدة الأولى- التي تجسد التجربة الشعرية الخاصة بالشاعرة- يظهر القلم شخصًا متحديًا، وتظهر القصائد والشعراء المذكورين داخلها بأشياء تحرك شخص الراوي «الشاعر»، وتمنحه روحها وفكرتها بشكل تفاعلي.


أما في الثانية نرى ما بين ولادة القصيدة وموتها «بين الكتابة والتمزيق» بتمثيل عن الخيانة والحب وبعض من الحميمية، والثالثة التي تظهر الحسرة والألم والخيبات كأيادٍ قاهرة، والحوائط كاليد المربتة مضمدة الجروح، فتظهر تلك المشاعر بشكل أشبه كما ذكرنا بأشخاص تتحرك داخل ما يشبه القصة، وربما يدفعها ذلك لاستخدام الرمز مثل قصيدتي «ثرثر قبل أن أعلمه الكلام»، و«قطرة ماء على نافذة».


-الدنيا مسرح كبير


نرى الاتجاه الواقعي كذلك في قصيدتي «زهرة نرد تلعب بنا» و«مسرحية تمثل فينا» التي تمثل تجسيدًا للملهاة التي ترى الدنيا مسرحًا مفتوحًا على يد الحظ تارة، وتمثيلًا للمأساة في تحديدها لمصائر آخرين، أو تمثيلها انفلات العمر كما ينفلت الماء، واعتبار الحياة كأنها لمحة لم تعاش مثل قصيدة «كقديس يأتي في غير موعده» تضيف للكون الواسع والآمال المحطمة عدميتها، فيحاولون جاهدين البحث عن ذاتهم والتفكير في حل ينجدهم «كافتراض الوصل مثلا».


وبالتقارب مع قواعد المسرح وكما يتجرد الممثل من أثقاله ويعري ذاته بطريقة الميلودراما، نرى التعري والتجرد والوصول للخفة هو النهج الأول لتلك الشخوص المعذبة في الديوان، ومن ناحية أخرى هو العذاب الدائم لها مثل قصيدة  «شعر يتراقص مع تنورة»، وقصيدة «مشاحنة»، وقصيدة «ذات تلوح بسوط» كلها تتفق على فتح جراح الماضي ومواجهة الحاضر، والأمر سواءً بالخفة والتجرد بطريقة صوفية كالقصيدة الأولى أو كالقصيدة الثانية والثالثة بالتعذيب وسكب الأذى عليها، يجعل بطل القصائد يتلوى ويرقص مخفيا ما به فيجمع الملهاة والمأساة معا.


شاعر يناضل بحجر سالفه، بذكر الشاعرة للماغوط ورثائه على حاله ووطنه كما في مقطوعة «راية السودا الحزينة"»، التي تتجه لرثاء حال شخوصها وذواتها التي أتعبتها دنياها كما في قصيدة «ربع قرن لاقتناص تنهيدة»، وقصيدة «لا شيء يموت على الإطلاق» بما فيها من ضغوط وأزمات تعصر ذات القصيدة عصرً،ا وأيضًا «هزم الموت فأماتته الحياة»، وقصيدة «مستنقع كبير يعيش فيّ»، لما فيها من اختلاجات وصراعات بين النفس والواقع، ولكن بما أنها وضعت تجربتها بأنها نتاج للسالفين، و«هذا الطبيعي» جمعت بين الرثاء ومحاولة النهوض والقول بالفم الممتلئ للحياة ولضغوطها وأزماتها «لا نهي عليّ ولا أمر»، فتواجه الموت في قصيدة «همس في أذن الزهور»، وتدعو لكسر الأمور القاتلة للإبداع «كابنة أرجوها ثورة» أو حسبها المقاومة كيمامة «كلما تموت تعاندها الحياة» وفي أضعف شيء تلوح بالخواء إن فقدت زادها كقصيدة «لا شيء».


- البحث عن ذات


يلاحظ في الديوان بين قصائد «شعر يتراقص مع تنورة»، و«لا شيء يموت على الإطلاق»، و«خطوات جادة لأجدني»، تتفق مع شخصيتي كاميليا الصغيرة والعمة في رواية «أطياف كاميليا» للكاتبة نورا ناجي، وذلك في تشابه تجربة العمة مع القصيدة الثانية في ما يقيدها غالبًا، وما فعلته للبحث عن ذاتها المطمورة نتاج ذلك يتشابه مع القصيدة الثالثة، والأولى تجمع ما بين الشخصيتين العمة والصغيرة في محاولة التجرد والبحث عما وراء الصورة والحركة، وفي لفتات العمة المفقودة التي حركت الصغيرة تتضح من وراء الستار قصيدتي «ابنة حسبتها ثورة»، و«كلما تموت تعاندها الحياة»، فتدور أفلاك القصة إلى أن تجد نفسها كما وجدت الشاعرة في القصيدة الثالثة وتكتمل عندها الصورة وما خفي فيها.




author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات