القائمة الرئيسية

الصفحات

هل تبني المشاعر بيوتًا؟.. عن قصة "منتصف ليل الغربة" لـ جمال الغيطاني


أكرم محمد


جمال الغيطاني ليس فقط الروائي الشهير الذي كتب واحدة من أهم الروايات في تاريخ الأدب العربي وهي رواية "الزيني بركات".. بل هو القاص الذي بدأ حياته الأدبية بمجموعة قصصية "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" التي لفتت أنظار النقاد والقراء، وتنبأت بمولد أديب فريد ومتميز.


وكما خلق الغيطاني عالمه الروائي الخاص، نجح في خلق عالمه القصصي الفريد للغاية.. واليوم نتناول أحد أفضل القصص التي كتبها الغيطاني طوال مسيرته الإبداعية وهي قصة "منتصف ليل الغربة".



ولكن في البداية القصة القصيرة دائمًا ما تمثل، في بنائها، فكرة الاختصار، والتكثيف، حتى بعد اكتساح فن الرواية بقت القصة تحتفظ بملامحها الأثيرة، وبالأخص القصة المصرية، التي بدأها محمود تيمور بقصته "في القطار"، المنشورة عام 1917 في جريدة السفير، والتي تتسم بفكرة الغرق في المحلية المصرية، والخروج من هذا الغرق بفلسفة، ونظرة للواقع الاجتماعي، والسياسي المصري، وهو نفس الفعل الذي يستخدمه الغيطاني ليخلق عالمه القصصي، الغارق في الواقع.



في قصته القصيرة "منتصف ليل الغربة"، الصادرة عام 1997 ضمن مجموعة قصصية تحمل نفس الاسم، عن الهيئة العامة المصرية للكتاب. يبدأ المقطع الأول من القصة بقرار يخص إدارات الصناعة والصحة، عن تعيين موظف جديد، وهي طريقة سردية تميز بها جمال الغيطاني؛ حيث يحتل سرده نوع من التقريرية، التي تتمثل في قرارات أو تاريخ مختصر في نقط وأرقام، مثل رواية "وقائع حارة الزعفراني"، لينتقل الغيطاني إلى بناء جغرافيا المكان، الذي يقدم صورة مماثلة للواقع المصري، في نظرة شاملة لكل عصور مصر. عند الغيطاني يتم بناء الشخصيات، في كلمات موجزة، ومقتطفات من مشاهد كاملة.


ومع بداية المقطع الثاني يخرج النص من شرنقة اللازمان، والبعد الرمزي، إلى بناء خلفية تاريخية تدور على خلفيتها القصة، التي يبنى سردها على مزج الأصوات. 


يستكمل الغيطاني كتابة أحداث، تقوم على سرد ما كان في حياة يوسف عبد الرحمن، وما يحدث في حاضر القصة، ليخلق من خلالها فلسفة، تقوم على المشاعر الإنسانية، والرموز السياسية، والإجتماعية، والفلسفية؛ لتبحث عن الإنسان في عمق واقع مصري، يبدأ باللازمان، وينتهي بزمان معلومٍ، وشخوص تعيش في كل زمان.


مع بناء الشخصيات وتقديمها، والسرد بين الراوي العليم، في البداية، ونظرة الشخص الأول في معظم النص، يبنى السرد، بناءً على ما سلفه من بناء شخصية يوسف، فيكتب الغيطاني شخصية مثقفة، قادرة على الكتابة الأدبية، ويرمز من خلالها لفطرة الإنسان، التي تفترض أن في الحكي بعد عن هذه الوحدة.


تظهر ملامح البناء القصصي، والحكايات، النابعة من حدث بسيط، التي تقال بشكل صريح والتي تقال عن يوسف، الذي لا يعلم أن أوراقه ستنشر؛ لأنه شخصية خيالية في خيال كاتب يبحث عن الإنسان، في كل زمان، وكل مكان، في واقع مصري.


الفلسفة غير المحدودة في عالم الغيطاني، تدعمها خلفية تاريخية، لذا يمكن أن تشعر بالإسقاطات، والرموز، والمشاعر الإنسانية التي تصلح لكل زمان.


المشاعر من أهم ما ينقل النص إلى عالم الخلود، وينقله من عالم الموتى، خاصة لو كانت هذه المشاعر تدعم عالم أكبر، وأكثر شمولًا لجوانب الواقع، وبالأخص المصري، عن مجرد مشاعر.


هذه القصة مختلفة عن قصص المجموعة ولكن، يبدو أن هناك رابط يصل قصص الغيطاني ببعضها، شئ خفي يربط هذه القصة بغيرها من المجموعة، البناء القصصي، الذي يعتمد على الحكايات، كشرط أساسي لوجوده، وتعدد الأصوات، والخلفية التاريخية والتركيز على المشاعر الإنسانية البسيطة واللحظات العابرة.

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات