القائمة الرئيسية

الصفحات

وجهة نظر.. هل أحبت مي زيادة جبران حقا؟!


ريم علوان


 مولعة أنا بالحرف، يلهب عقلي فن النثر.. النص الإبداعي.. الخاطرة المنتقاة، وأيضا وجدا (أدب الرسائل).


أزعم أن والدي قارئ محترف، تكتظ مكتبته بالعديد من الإصدارات الهامة جدا. جذبني المنفلوطي والرافعي والعقاد وأحمد لطفي السيد وإسماعيل صبري وجبران خليل جبران.


مساحة إعلانية


أعلام أدبية لها بصمات قوية وواضحة في سماء الأدب العربي، اكتشفت بعد فترة أن هناك ثمة حلقة مشتركة بين هذه الأقلام، سارقة الألباب.


الحلقة كانت.. (مي زيادة)، وكانت البداية.


الرافعي (رسائل الأحزان.. أوراق الورد.. السحاب الأحمر)، كانت تفوح منها رائحة مي زيادة، قتلني الفضول. من تلك الفاتنة سارقة النهى والقلوب؟



وجدت إصدارات ممهورة باسمها، لم أكن أقرأ، بل كنت أحيا معها الحرف والجملة والمعنى، قرأت لها الكثير: "باحثة البادية"، "بين الجزر والمد"، "رجوع الموجة"، واستوقفتني مرات قصتها مع جبران.

فكانت رسائل مي، وصفحات وعبرات من أدب مي الخالد، ثم رسائل جبران لمي، قمة ما تم خطه من أدب الرسائل.. تحف أدبية تقف هناك حيث الخلود وبصمات التاريخ.



ولطبيعتي الفضولية وميلي للتفاصيل عمدت إلى مي ذاتها أو (ماري إلياس زيادة)، التي ولدت لأب لبناني وأم فلسطينية (1886-1941)، وهاجرت أسرتها فرارا من وضع البلاد في لبنان إلى مصر.. أنهت دراستها الجامعية لتذوب دون عمد وسط أصحاب القلم من الأدب والصحافة.. عُرفت ككاتبة مقال اجتماعي ثم باحثة، ثم صارت تلك الأيقونة محط اهتمام وأنظار قمم الأدب العربى. ذاب في هواها العقاد والرافعي ولطفي السيد وإسماعيل صبري وغيرهم.


لم تبادل مي زيادة أحدا منهم الغرام، ولكنها بعد أن انتهت من قراءة "الأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران" راسلته لتناقشه فيها، ثم أرسل الرد، فأرسلت له، وأرسل، ثم.. كانت أشهر قصص العشق الحديثة والغريبة والمثيرة للاهتمام أيضا. قصة حب ملتهبة شهد عليها العالم ووثقتها الرسائل المتبادلة بين مي وجبران (1911-1931)، ووهبت مي نفسها لحبيب لم تره رغم عنف الصيغ الغرامية للرسائل.


عاشت مي (لتبث لواعجها عبر الرسائل)، مكتفية بالحب للحب، وعاش جبران حياته ورسائله إلى مي (جزء منها)، إبداع أدبي ملهمته عاشقة فريدة من نوعها، متفردة بعشقها.. منتصرا بدرع منحته إياه لتميزه عن عظماء زمانه ووقته.


استوقفني كثيرا ذلك العشق أو ما خِلناه كذلك، لكنه أسطورة نسجناها من وحي خيال يتمنى الحياة الفاضلة ومدينة النقاء.


جبران لم يكن يوما مخلصا فى حبه لمي، ولم تكن ابنة قلبه ولا حبه الأوحد، جبران عاش حياته وأرضى ذكوريته، وعرفنا بعد وفاته كما جاء على لسان ميخائيل نعيمة صولاته وجولاته الغرامية.



لن أكون منصفة بخلع ثوب العاشقة المحبة المضحية على مي.. لماذا جبران؟ ولماذا لم يكن الرافعي أو العقاد؟ أو غيرهم ممن كانت تجمعها بهم الأمكنة والفرص، أن تحيا قصة حب طبيعية أيا كانت نهايتها؟


كما أحب جبران في مي أنها ملهمته الرائعة والقادرة بحرفها على استخراج درر روحه وإبداع قلمه، أحبت مي في جبران مساحات الخيال التي منحها لها البعد، مي صنعت جبران على عينيها.. تخيلته كما شاءت، فصار أيقونة العشق ومنبر الحب.


 مي لم تحب من التقتهم لأنها رأت فيهم الحقيقه والعادية، فهم بالنهاية شخوص حقيقية، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، أما ذلك الحاضر الغائب فهى تصنعه بحرفها لتحياه، تخلق منه أسطورة تصدر للعالم من خلالها أسطورة عشق تليق ومي زيادة.


وهنا إجابة السؤال المحير لماذا لم يسع كلاهما للقاء؟ لأنهما وببساطة لم تكن لديهما النية لتحطيم أساطير عشق جسدتها الرسائل على صخور الواقع.


 رسائل جبران لمي ومي لجبران رغم عنف العاطفة وبراعة الأسلوب هي بالنهاية موروث أدبي ومبارزة بلاغية، والبعد كان أرضا أكثر خصوبة لطرح الإبداع.


مي أحبها كثر، ولكنها أحبت من صنعه خيال الأنيقة الأديبة التي لم تتنازل عن أن تخلد قصة حبها أسطورة. وجبران في كل الحالات لم يفقده حبه لمي شيئا، مي كانت تلك الغيمة التي تهطل فيزدهر حرفه، ويترعرع إبداعه، أحب جبران (الملهمة) وأحبت مي (المحال).. فهو أبدا لم يكن حبا!


عاش جبران حياته كما أراد، وماتت مي وحيدة بائسة بعد موت (جبران) نموذج العشق المثالي والمانح لطاقة الكتابة والحياة.

مي وجبران في نظري على قدم المساواة فكل منهما وجد ضالته هنا: البعد.. الخيال.. الإبداع...

 
author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات