نجوان ماهر
مرت مصر وعلى مدار تاريخها مصاعب شتى كان أشدها في القرن الماضي هو هزيمة يونيو 1967 الصادمة والتي أدخلت الشعب في حالة عامة من الاكتئاب والحزن الدفين وكأنه لا يوجد ملاذ آمن يمكن أن يلجأوا إليه.
تعاملت الدولة مع الأمر لإخراج الناس من تلك الحالة المسيطرة عبر أفلام خفيفة اختلطت بالكوميديا والغناء والموضوعات السهلة، أو الأفلام التي تحاول رفع الروح المعنوية.
ومن ضمن هذه الأفلام فيلم "أغنية على الممر" الذي ينتظر الجمهور إعادة عرض نسخته المرممة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي تم افتتاح دورته 44 بالأمس.
وإذا عدنا لفترة الفيلم لوجدنا أنه هناك ثمة سؤال مسيطر.. ما هو المنتظر من المستقبل بعد تلك الهزيمة؟
فعلى الرغم من خوض مصر العديد من المعارك الناجحة أثناء حرب الاستنزاف، لكن إحساس الأخذ بالثأر والنصر والمقاومة هي الفكرة المسيطرة، وهو ما حاول المخرج الكبير علي عبد الخالق، التركيز عليه في "أغنية على الممر"، والذي يعد أول فيلم روائي طويله له.
ولو تحدثنا عن علي عبد الخالق، الذي يعد الآن من أهم رموز السينما المصرية في مجال الإخراج ويعتبر منتميًا لما يطلق عليه "جماعة السينما الجديدة" فقد قدم العديد من الأعمال السينمائية الخالدة في ذاكرة كل مشاهد، فقد كانت بدايته هو إخراج الأفلام التسجيلية بعد تخرجه من المعهد العالي للسينما ومن أشهر افلامه التسجيلية "أنشودة الوداع" الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية من مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة، ومنها الجائزة الثانية من مهرجان "لايبزيج" السينمائي بألمانيا كما حصل فيلمه "السويس مدينتي" على الجائزة الأولى من مهرجان وزارة الثقافة الأول للأفلام التسجيلية. وحقق الفيلم نجاحًا فنيًا هائلًا، وحصل على الجائزة الثانية من (مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي)، وجائزة من مهرجان "طشقند" السينمائي.
أما عن أول أعماله الروائية الطويلة فقدم الفيلم المتفرد "أغنية على الممر" إنتاج ١٩٧٢ بطولة محمود مرسي، ومحمود ياسين، وصلاح السعدني، وأحمد مرعي، وصلاح قابيل، والمأخوذة عن مسرحية بنفس الاسم من فصل واحد للكاتب علي سالم. والسيناريو والحوار لمصطفي محرم، والذي يعد أحد أشهر الأفلام الحربية التى قدمت فى السينما المصرية رغم قلة عرضه مقارنة بالأفلام الحربية الأخرى.
يتحدث الفيلم عن هزيمة ٦٧ ورفض المصريين للهزيمة والإصرار على المقاومة والصمود من خلال خمس جنود مصريين محاصرين فى إحدى الممرات بالصحراء يفقدون التواصل مع العالم الخارجى بعد انقطاع إرسال الجهاز اللاسلكى فلم يصلهم أي أوامر بالانسحاب ويتعمق الفيلم فى ذكريات وأحلام كل جندي من الجنود الخمس فكل منهم له حلم خاص لا يتشابه مع الآخر وكل منهم جاء من مكان مختلف عن الآخر إلا أن حب الوطن جمعهم على هدف واحد برغم تناقص الذخيرة والطعام والماء، وتحت قصف دبابات وطائرات العدو، يتمسك الجنود بمكانهم، يواجهون مصيرهم بشجاعة حتى آخر جندى فيهم.
يناقش الفيلم الأسباب الاجتماعية والسياسية للهزيمة من خلال نماذج حقيقية من المجتمع ما بين النماذج الملائكية التى جسدها نموذج الفلاح الشاويش محمد «محمود مرسى» الذى تلقى استدعاء الجيش بينما هو يزرع الأرض وهو من أكثر النماذج رسوخًا وكمالًا. ونماذج انتهازية من خلال شخصية منير الذي قدمه صلاح قابيل. وشوقى الذي أدى دوره محمود ياسين والذي يمثل شخصية الشاب الفاشل من وجهة نظر من حوله وينجح فى انتصاره الوحيد بتعطيل دبابتين للعدو، ومسعد الذي أدى دوره صلاح السعدنى البسيط والمرح، وشخصية حمدى التي قدمها أحمد مرعى المطرب المغمور الذى يحاول تقديم الحانه فى الإذاعة المصرية وكان الفيلم الذى تصدى للهزيمة بصدق ووضوح وشفافية، يمثل فى الوقت نفسه نقطة انطلاق جديدة للسينما للسينما، واجتمع النقاد على وصفه بأنه عمل جاد وصادق ومشاركة فنية فى حب الوطن.
كما أن كلمات الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودى الذي كتبها للأغنية الشهيرة "تعيشى يا ضحكة مصر" والتي أضفت المزيد من الروح ومعاني الفداء للعمل، واستطاع من خلالها نقل مشاعر الجنود فى الدفاع عن الأرض فى حالة جمعت الوطنية بالشجن وهى حالة شعر بها المصريين جميعًا فى تلك الفترة التى يتحدث عنها فيلم قبل انتصار أكتوبر ١٩٧٣.
و في حديث سابق للمخرج علي عبد الخالق في برنامج "التاسعة" على القناة الاولى المصرية ذكر أن إنتاج الفيلم بلغ ١٩ ألف جنيه. مشيرا إلى أنه رغم الظروف الصعبة وقت إنتاجه قبل نصر أكتوبر المجيد، وجد مساعدة كبيرة من إدارة الشئون المعنوية، حتى خرج الفيلم للنور وأن فكرة الفيلم ولدت من رحلاته على الجبهة، ولقاءاته وأن الضباط والجنود، الذين شحنه إحساسهم وتشوقهم لخوض الحرب.
ولفت إلى أنه سمع على الجبهة حكايات الضباط والجنود، وتعبيرهم عن التطلع لخوض الحرب، وتساؤلاتهم عن سبب تأخرها وأن أغنيته الشهيرة التى تحولت إلى شعار للتضحية والفداء "تعيشى ياضحكة مصر" أبدعها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودى من رحم 29 محاولة لتوصيل المعاني التي انطلق منها أحد أهم أفلامه.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب