أخرج إلى الشارع، استوقف أحد المارة واسأله متى بدأت الفانتازيا في مصر؟ أغلب الظن أنه سيتجاهلك ويمضي. حسنًا حاول مرة أخرى، اقتنص فرصة إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب واستوقف أحد الشباب.. كرر عليه السؤال، سيجاوب بلا تردد وقد انتفخت أوداجه فخرًا لعلمه بالإجابة الصحيحة: على يد أحمد خالد توفيق.
ولا عجب من إجابته، فالراحل هو عراب الكتابة الفانتازية عند غالبية القراء، وخاصة الشباب الذين جعلهم يقرأون. ولكن.. أهي إجابة صحيح؟
القصر المسحور.. كيف اجتمع قامتان من الأدب العربي لكتابة عمل فانتازية؟
عام ١٩٣٦ صدرت رواية القصر المسحور. كانت المفاجأة الكبرى أنها بقلمين وليس قلمًا واحدًا، والأكثر صعقًا أنه قلم توفيق الحكيم، وقلم طه حسين. رجلان كلاهما أثرى الأدب العربي وأضاف إلى سجلات الرواية والكتاب عناوين دسمة فلسفية لا تدع للقارئ فسحة كبيرة للخيال والتخيل. لكنهما في هذه السنة تركا الواقع المصري يتفاعل مع إصدار دستور ١٩٣٦ وحلقا إلى عالم الخيال هما وشهر زاد.
لماذا شهر زاد؟ لأن الحكيم له كتاب شهر زاد، ولأنه عُرف عنه عداءه الشديد للمرأة، فاستلهم الكاتبان شخصية شهر زاد مرة أخرى في روايتهما، وقدّما محاكمة عادلة للحكيم تارة يدافع عنه حسين وأخرى يقف إلى جوار شهر زاد.
نرشح لك: خميلة الجندي تكتب: أدب الفانتازيا.. بداياته ومراحل تطوره في مصر (1)
ليس استلهام شخصية شهر زاد من حكايات الفانتازيا الخالدة "ألف ليلة وليلة" هو العامل الوحيد لتصنيف الرواية كحجر أساس الفانتازيا في مصر، بل الحبكة والمكان والزمان اتسموا جميعًا بسمات الخيال والسحر، ليمتزجا مع الواقع فقط في مناقشة قضايا المرأة ونظرة الرجل لها.
كم نسبة القراء العارفين بهذه الرواية؟ ربما باحصائية بسيطة سنجد النسبة لا تتعدى عشر الوسط الثقافي.
لماذا؟ هنا أحجية أخرى.
دراويش القراء.. والكتابة دون غاية
لا شك أن الكتابة ليست حكر على طائفة بعينها، فهي فعل إنساني من الدرجة الأولى، يعبر فيه المرء عن نفسه وينثر على الورق غايته في الحديث. لذلك الكتابة دون غاية لا تخلو من الغاية، ولكن النشر هو مربط الفرس. فليس كل ما نكتبه يُنشر وإلا لاندثرت الأعمال النفيسة تحت زخات النشر المستمر المتتالي دون تنظيم يهدف لمصلحة القارئ في المقام الأولى. الفجوة الزمانية بين عام ١٩٣٦ وعام ١٩٩٣ لم يشأ أي كاتبٍ اقتحامها لفرض سيطرته على لون الفانتازيا، رغم أنها كانت فرصة لا تعوض، وتمهيد للون أدبي غريب عن القارئ على يد الحكيم وطه حسين. أي أن أي كاتب كان ليزج باسمه في هذه الحلبة لوجد دراويش يصفقون له فقط لأنه سار في أثر الحكيم وطه حسين. ولكن في هذا الزمان كان الكاتب يدرك دوره جيدًا ويعي أنه الصوت المعبر عن الواقع، فهو نافذة للقارئ، يُريه ما يلزم أن يرى في حقبتهما الزمانية، لا ما يُريد قلمه أن يكتب.
وهنا لا نغفل الثناء على أحمد خالد توفيق الذي عاد واقتحم غمار الفانتازيا بسلسلته الأشهر "ما وراء الطبيعة". أكان لخالد توفيق غاية من كتابته؟ بلى. غاية ألمسها كقارئة بسيطة، فسلسلته كان لها الفضل في تعريف الناس بالعديد من المعلومات التاريخية، والطبية، وأخبار عن أساطير الحضارات الأخرى، وغيرها من المعلومات الثمينة بين طيات السلسلة.
بعد ما وراء الطبيعة، ماذا جنى القارئ من كاتب الفانتازيا؟ القليل. ولكن دراويش القراء الذين وضعوا الفانتازيا في إطار مقدس لأنها - كما يتراءى لهم - من تدشين كاتبهم الأثير يمتنعون عن التوقف عن التهليل، ومحاولة السؤال: ماذا نجني من سيل الأعمال الفانتازية التي تنهال علينا كل عام؟
هذا سؤال.. وددت طرحه وأترك لكلٍ إجابته.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب