ليس بخفي على القُراء أن روايات الفانتازيا أصبح لها باع كبير في الوسط الثقافي. ربما لا نملك احصائية محددة توضح عدد الروايات الفانتازية التي تصدر كل عام ولكنها تُمثل على الأقل ثُلث الروايات المصرية الصادرة سنويًا عن مختلف دور النشر.
تختلف الروايات الفانتازيا في مضمونها وموضوعها، فمنهم من يهتم بالسفر عبر الزمن كرواية "نياندرتال" لسراج منير، ومنهم من يهتم بالتراث العربي والإسلامي كثلاثية "نداء الملك" لحسام عادل، ومنهم من يستهدف خلق عالم موازٍ بقوانين وأراض ودول وسياسات مختلفة كثلاثية عمرو عبد الحميد "قواعد چارتين"، وهناك أيضًا "مملكة البلاغة" التي نسجت فيها حنان لاشين خيط من الخيال وآخر من الواقع. ونجد الكثير من الكُتّاب يهتموا بأدب الماورائيات وعلى رأسهم شيرين هنائي التي بدأت سلسلة لاشين مطلع هذا العام، حتى أولئك الذين خاضوا تجارب بعيدة تمامًا عن هذا اللون ونجحوا في كتابة ألوان أخرى لما يترددوا في سبر غوار الفانتازية أمثال إبراهيم أحمد عيسى وروايته "ذئب وحيد". ولكن كيف بدأت الفانتازيا في العالم؟ ومتى ظهرت في مصر؟
ظهور الفانتازيا في الأدب العالمي
في بدايات القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام ١٨١٨ صدرت رواية فرانكشتاين والتي يعتبرها النقاد في الغرب حجر أساس عالم الفانتازيا. جاءت الكاتبة الإنجليزية ماري شيللي بفكرة تختلف جملة وتفصيلًا عن أفكار أقرانها من أدباء العصر الڤيكتوري. بينما سبقتها چين أوستن برواية ڤيكتورية من الطراز الرفيع "كبرياء وتحامل"، ولحقتها شارلوت برونتى بواحدة من علامات العصر "چاين آير" كانت شيللي تحلق بعيدًا بخيالها، وتغرد خارج السرب لتخلق لنا فرانكشتاين الرجل الذي خلق مسخًا ليرضي جنونه العلمي، ويشبع غريزته البحثية. هذا العمل الذي تم تحويله لأفلام سينمائية عديدة هو بكورة الإنتاج الفانتازي في عالم الأدب والرواية تحديدًا.
هناك ما نطلق عليه أمهات الفكر، وهذه الأسطورة التي خلقتها شيللي وما تضمنتها من إسقاطات لا تناسب عصرها فحسب، بل وتناسب عصور سبقت كتابتها، وأخرى لحقت بتاريخ نشرها، هي أول سهام الفانتازية المنطلقة. والأهم أن التجربة لم توءد بل نجحت وتلاها عدة روايات في ذات العصر أهمها "دراكولا" رائعة برام ستوكر المُخلَّدة التي تغطت على كُل أفكار الرعب سواء على الشاشة أو على الورق، فنجد الفكرة تحولت آلاف المرات من أوراق ستوكر للسينما والتلفاز، بل وأُعيد اقتباسها في روايات أخرى. لقد خلق لنا ستوكر مصاص دماء خالد تمامًا كما تنبئ هو بصفاته.
ولكن .. هناك جدل وجب إثارته عند هذه النقطة. لماذا نعتبر الفانتازيا وليدة هذا العصر؟ ألم تكن أساطير اليونان والأغريق أو ما هو معروف بالميثولوچيا - وتعني علم الأساطير - خيط من خيال وآخر من واقع؟ بلا شك.
فلماذا لا نعتبر الألياذة والأوديسة مثلًا أو أعمال سوفيكلس جزء من الفانتازيا؟ هل الفانتازيا جزء من الميثولوچيا أم العكس؟
ربما المختصين بدراسة الأدب في الغرب يُفضلوا الفصل بين الميثولوچيا القديمة والفانتازيا الحديثة، وذلك لأن الأولى لها من قداسة وأهمية دينية عند الأغريق واليونان، وارتباط حكاياتها الوثيق ببث الإيمان في نفوس أبناء اليونان والأغريق. أما ما نُطلق عليه الفانتازيا الآن هي ضرب من ضروب الخيال الخالص الذي يوظف لمناقشة قضية ما في الواقع.
وإن كان هذا التفسير لا يُشبع فضولي، ولا يحل الإشكالية لكنه التفسير السائد. أما من جانبي أظن أن الفانتازيا والميثولوچيا جزء لا يتجزأ من بعضهما البعض وإن كانت الثانية هي المنبع والبداية ومنها استقت الفانتازيا الحديثة أغلب أفكارها.
أين بدأت رحلتنا نحن العرب مع أدب الفانتازيا؟ هو ملف آخر نناقشه في مقال قادم..
للتواصل مع الكاتبة من "هنا" أو من خلال التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب