في تجلياتها الأولى، في الكتابة الروائية، أتحفتنا القاصّة هبو خميس، برواية "مساكن الأمريكان"، الصادرة عن دار الشروق، والتي تؤرخ لما يمكن أن نسميه "ديموغرافيا المهمشين".
والمساكن، هي منطقة على بحر سيدي بشر في الإسكندرية، رصدتها لنا هبة خميس، بعين صحفية استقصائية، فعشنا معها خطا دراميًا متقاطعًا، عبر ستة أشخاص، من أسرة واحدةـ تؤرخ، للمنطقة منذ ستينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات، في عهد "إسكندرية المحجوب"، وما طرأ على المكان من تغييرات كبيرة.
البشر يعيشون داخل تلك المنطقة الشبيهة بمخيمات اللاجئين، كأنهم طفيليات، يولدون ويعيشون ويتمددون ويموتون، دون طموح، ودون ذكر، ودون حياة تقريبًا، وكأنهم مجرد أرقام في الدفاتر الرسمية، فلا تمنحهم الحكومات خدماتها. وهنا جاء دور هبة خميس والتي منحتهم ذلك الذكر، ونفخت فيهم من روحها الإبداعية، قبل أن يختفي المكان نهائيًا.
تطرقت الرواية، لعوالم قليلًا ما نجدها في أعمال روائية، كالأشخاص "ثنائي الجنس"، ونظرة الحياة بعيونهم، وكيف يتجرعون آلام الرفض والاستهزاء، عبر قصة "علي" وهي إحدى القصص الستة التي بنتها هبة خميس، وإن لم تكن أعظمها، حيث تشبعت تلك الشخصية بالخط الدرامي والوجداني.
البناء الجسدي للرواية، والمحكم جيدا من قبل الروائية، ضئيل للغاية، في غير إخلال بالمطلوب إثباته، والمتحقق متعته والقوي والمباشر في غاياته وثيمائه، وكتابة هبة خميس، تكشف عن كاتبة تمتزج لديها الموهبة البارزة والاحترافية المحكمة، وكأنها روائية معتادة على تلك الكتابة، لا قاصة حصدت جوائز هامّة. فقدرتها على السرد والوصف ولغتها الرقيقة الشفيفة أحيانًا والصادمة المباشرة أحيانًا تخطفك من أول جملة، حتى تكتمل معك الرواية في مشهدها الأخير في ليلة واحدة.
أما احترافيتها، فتتبدى بوضوح في قدرتها على طرق أبواب شائكة للمجتمع ولها ككاتبة أنثى لكنها استطاعت في عدد صفحات لم يطل عن المائة بكثير، أن تسبر أغوارها، وتناقشها بجسارة تليق بروائية لها مستقبل كبير في المجال الأدبي.
نرشح لك: حصريا.. ننشر فصلا من رواية "مساكن الأمريكان" للكاتبة هبة خميس
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب