القائمة الرئيسية

الصفحات

"التائهون" في "حقائب الذاكرة".. الحرب الأهلية اللبنانية في الرواية

 


خميلة الجندي


استيقظت العاصمة اللبنانية اليوم على دوي إطلاق نار في منطقة الطيونة المتماسة مع منطقة عين الرمانة. ساعات من الفزع أصابت اللبنانيين وأعادت إلى ذكراهم شرارة الحرب الأهلية. انتثرت تعليقات العرب على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن السيناريو المظلم ربما على مشارف البداية، وأن ما قد يُلقب عند الأجيال القادمة بـ "حادثة الطيونة" تتشابه جملة وتفصيلًا مع المشهد الأول للحرب الأهلية في 13 آيار\أبريل 1975. 


ما المصير المنتظر للبنان الذي - لولا يد الطائفية الحمقاء - لكان سويسرا العرب؟ سؤال يصعب الإجابة عليه لأننا الآن في مرحلة "البقعة العمياء"، أي أننا نعجز عن رؤية الواضح والبديهي. ربما السؤال صعب الإجابة اليوم، سيسهل الإجابة عنه عامة، وستكون الدلائل هي ذاتها التي أغفلنا النظر إليها، أو نظرنا إليها ملء العين ولم نعيها. سؤالنا نحن معشر القراء، هل تناول الأدب مآسي الشعب اللبناني وصراعه الدائم للوجود؟ وإن كان.. فهل من مهتم لقراءة ما كُتب عن لبنان؟ ألها نصير من القراء كما لفلسطين نصراء؟ إليكم ملخص عن روايتين لأقلام لبنانية كتبت عن حرب الخمسة عشر عامًا وما تلاها.


التائهون

رواية للكاتب اللبناني - الفرنسي أمين معلوف. ترجمتها عن الفرنسية غادة بيضون، وصدرت عام 2012. تتناول الرواية تاريخ لبنان قبيل الحرب الأهلية. في سرد شيق يأخذنا آدم بطل معلوف إلى رحلة عودة إلى الماضي، آدم الذي هاجر إلى فرنسا بعد نشوب الحرب أصبح مضطرًا للعودة الآن وقد مر 17 عامًا تقريبًا على الرحيل ليحضر جنازة "صديق قديم". في الجبل يستعيد المؤرخ آدم تاريخه الشخصي، يقرر تلك المرة التخلي عن أطروحته الضخمة عن أتيلا العظيم، ليكتب عمّن هما أعظم في وجدانه، عن "شلة" الأصدقاء "التائهون" الذين في شبابهم حلموا بوطنٍ سرعان ما تبدد تحت أقدام الحرب البلهاء. عدة أيام يقضيها آدم في فندق "سِمي الجميلة". 


لو ما نشبت الحرب.. ربما كان السيناريو مغايرًا، عوضًا عن الهجرة لفرنسا.. سيتزوج سِمي ينجبا الكثير من الأبناء، ويديرا سويًا فندق الوادي! يا لها من متع صغيرة ضائعة يستعيدها آدم الآن. تلك الأيام في الفندق المنعزل، المفعم برائحة أشجار الصنوبر هي فصول روايتنا، ينتقل فيها القصص بين الراوي المتكلم والراوي العليم. العليم يمنحك أخبار تقريرية عما يفعله آدم الآن، ما يشعر به وما ينتوي فعله، أما المتكلم - آدم - فيمنحك فسخة إضافة من المرارة، يضيف إلى فنجانك المر علقمًا لا يحتمل ابتلاعه، يقص عليك في تأريخه لنفسه أخبار ثلته. نعيم ورحيله الغادر إلى البرازيل، آلبير وكيف تدخل القدر ليهديه منيته، تانيا وما ربطها بمصير دائم مع مراد.. ومراد.. الأنموذج المثالي للبنان. تقرأ أيام مراد وأنت على الأريكة في أمسية سمعت فيها عن حرب ميدانية نشبت بين ميليشيات والجيش اللبناني، فتتساءل هل أنا داخل الرواية؟ يدور رأسك لدقة التفاصيل التي تراها وتشعر أنك تعرفها مسبقًا! أهذه حالة من الـ Deja vu ؟ أم أن لبنان يركض في حلقة مفرغة لا نهاية لها؟





حقائب الذاكرة

 حقائب شربل قطان التي صدرت في 2010 عن دار نوفل هي أعجوبة في السرد المكثف. خمسة حقائب لمجهولين تدفع إيهاب نحو رحلة في نهايتها نجاته. تدور الرواية في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، أي بين عامي 2005 و 2006. أيهاب المسلم اليتيم الذي تربى في دير للأطفال اليتامى، درس وتعلم وشب في سنوات الحرب الأهلية، تقيه جدران الدير شر القذائف التي أودت بحياة جدته وتركته يتيمًا. يلتحق بجهاز ال/ن ليعمل في المطار ليس بغاية تأمين وظيفة بل بغاية البحث عن أبيه الذي سافر وهجره إلى ألمانيا قبيل الحرب بأيام معدودة. في حركة تنقلات مفاجئة ظن إيهاب أنها تهدم كل ما وصل إليه من بحث، يُنقل إلى قسم الجمارك. هناك في الجمارك يعيش مع الحقائب المفقودة منذ سنوات أقدمها يعود تاريخ فقدانه لسنة الحرب الأهلية.


 الحقائب التي تمنحه فرصة مقابلة سياسي يساري مخضرم طوته ذاكرة الوطن عمدًا، ثم "نابي" الفتاة الجميلة الثرية التي نشبت مخالب الحرب في أعمدة برجها العاجي، وسيدة فلسطينية اُحتل وطنها واغتربت في وطن على وشك أن يُحتل، والحقيبة الأخيرة التي تمنح أيهاب فرصة للنجاة. في رواية قطان شيء بديع يحبس أنفاسك، يدفعك لاحتضانها فور تغلق غلافها الخلفي. تنظر إلى لبنان الضائع وتتألم، عيناك تترقرق بدمع يفيض لتغرق في بحر من الألم.




تقول الأسطورة أن لبنان لا يموت، تشعر دائمًا أنه على فراش المرض، ولكنه يأبى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. عقود تلو عقود تتوالى على شعبه الآبي، والجراح لا تندمل، بل تُنكئ كل مرة لتعمّق شعورنا المرير بالعجز نحو البلد الغالي. مع ذلك نجد في أقلام ابناءه الأمل، أمل في باطن الرماد. على أوراق الروايات تنعكس الحقيقة، كاملة، لا الشعارات المبهرجة، ولا اليأس البهيم. في الرواية وحدها هناك الواقع، المزيج المحير للجبل العريق، بين عتمة لا نهاية لها، وشعب يصر على الحياة، يعاندها، يجلس معها على طاولة الحلم، تصفعه ولا يسقط، يتدثر بالأمل الغامض، بين مغترب وباق، ليضيء أفق الليل الطويل.


author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات