القائمة الرئيسية

الصفحات

أساليب تمرر الأنظمة سياساتها القمعية.. قراءة في كتاب "كيف يبرر التعذيب؟"

آية حسن

في البداية قد يكون عنوان كتاب أليكس آدامز، صادما بعض الشيء. هل يمكن تبرير التعذيب؟ العنف من الأشياء المنبوذة وبالتأكيد لن يشجع التعذيب إنسان عادي، لكن الكاتب يخبرنا أن هذا ممكن من خلال بناء نسق معين، إذا بنينا سيناريو محكم يمكننا إقناع نصف مواطني دولة ما بالموافقة علي التعذيب وليس رفضه والامتعاض منه. هذا السيناريو يتكرر في الأفلام والمسلسلات وهو إضافة دائمة في أدب الحروب والاستعمار.. هذا السيناريو هو القنبلة الموقوتة.


تخيل أن أحد الإرهابيين قد وضع قنبلة موقوتة في منطقة سكانية، قبل أن تنفجر القنبلة وتأخذ معها أرواح عشرات المدنيين تتمكن الشرطة من القبض على هذا الشخص، الطريقة الوحيدة لمعرفة مكان القنبلة الموقوتة وإيقافها في الوقت الصحيح هو تعذيب هذا الشخص لاستخلاص المعلومات، تحت هذه الظروف هل توافق على تعذيب شخص واحد في مقابل إنقاذ عشرات الأشخاص؟


هذا هو السيناريو المتكرر وكما يقول الكاتب فهذا السؤال صمم خصيصا لتكون إجابته نعم لأن أي إجابة أخرى بـ"لا" سوف تكون ساذجة. خلال صفحات الكتاب يفكك الكاتب هذا السيناريو ويناقش نتائجه التي تؤثر سياسيا بشكل كبير كما يعتقد.


الفائدة النفعية للتعذيب بصفته تكنولوجيا موضوعية

في السنوات الأخيرة قامت بريطانيا بفرض سياسات للتقشف أضرت بفقراء كثر لكن تبرير الحكومة هو النفعية الأكبر العائدة علي إنعاش الاقتصاد. أي أنه حتى إذا كان الفعل مؤذيا من جانب فنفعيته هي المحدد لاستخدامه أو لا.


في سيناريو القنبلة الموقوتة يتم استخدام نموذج البطل الخبير الذي يوافق علي التعذيب كحل أخير لأنه يعلم يقينا بفاعليته. إضافة عوامل مثل " الحل الأخير" و "الحل القاطع" الذي يحل القضية كلها بالتأكيد كلمات قوية ومؤثرة علي الاختيار خصوصا علي سؤال يتضمن إجابتين فقط لا غير.


إذا كانت هناك نفعية مؤكدة من وراء حل ما إذا لم لا نستخدمه؟ حتى إذا كان هذا الحل يتضمن العنف..


بطولات الشر
هذا الفصل يناقش عدة سيناريوهات أخرى ترسخ العنف والتعذيب كاستراتيجية جيدة بجانب كونها فعالة مثلما أشار في الفصل الأول. من هذه السناريوهات "هاري القذر" وهو اسم بطل سلسلة روائية ربما تكررت إلى ما لا نهاية، هاري هو ضابط شرطة سريع الغضب وعنيف ويؤمن أن القانون وحدة لا يمكن أن يحل المشكلة لذا يلجاء إلى أساليب ملتوية يعضها يخرق القانون بالإضافة إلى تعذيب شخصية الشرير في النهاية حتى يأخذ المعلومات التي يريد.. هل صادفتم هذه السيناريو من قبل؟ أنه يشبه المسلسل الحديث ديرديفيل حيث يتخفى البطل في الليل لمحاربة الجريمة لأن قوانين الصباح ليست كافية في ردع الشر وهناك ما يجب أن يؤخذ بالقوة.


الحقيقة أن الأمر لا يقتصر على سلسلة روائية واحدة أو مسلسل بل هناك مئات من الحبكات التي بنيت على الانتقام الشخصي أو تحقيق العدالة باليد ويستشهد المؤلف بعدد من أبطال مارفل والعديد من أفلامها بسبب تصدير الأبطال كمواجهين للشر، أي أنهم الجانب الطيب لكن في العديد من المناسبات يقوم هؤلاء الأبطال الطيبون بكسر كواحل أحدهم أو إلقائهم من فوق البنايات ثم التقاطهم قبل السقوط من أجل الحصول علي المعلومات وبسبب وضع هذه المشاهد في قالب درامي أو حتى كوميدي لا تظهر المشكلة ولكن ربما عند روايتها بطريقة أخرى قد تعلم أن هذا البطل الطيب قد استخدم وسيلة تعذيب تسمي تمثيل الإعدام.


هذه السيناريوهات الموزعة داخل الأفلام والمسلسلات والحبكات الروائية تخطت مفهوم النفعية أو "أننا نعذبه مضطرين من أجل الصالح العام" وتحولت إلى فعل جيد بذاته يرافق البطل الطيب الذي يسعى للقضاء علي الشر.


حماية التعذيب بصفته واجب أبوي

في الفصل الأخير بعد أن أصبح التعذيب ذو فائدة نفعية وبعدما أصبح ملتصقا بالبطل الطيب لازالت هناك لعبة أخيرة يمكننا تمرير التعذيب والعنف تحتها دون أن امتعاض وهي الدور الأبوي الذكوري.


في أغلب السيناريوهات التي تتضمن العنف كحل والانتقام يتم تطعيم الحبكة بعلاقة أسرية يتفاعل معها المشاهد قبل أن تخطف الابنة أو الزوجة ويبدأ البطل في البحث عنها وفي المشاهد النهائية لا حل إلا تعذيب الشرير للكشف عن مكانهم. هذا السيناريو يتلاعب بمقومات "الرجل"، في الحالات العادية هناك صفات تميز الرجال فكلما كان الشخص بارعا وذكيا وغنيا وذو جسد متناسق ووسيم تزداد "رجولته" وهنا في هذا السيناريو يتم إضافة صفة القوة حيث يصبح الشخص رجلا بحق إذا استطاع إنقاذ حبيبته أو ابنته والانتقام لهم. هذه الفكرة الرومانسية تطلب قدرا كبيرا من العنف المدعم دائما بمهارات غير عادية.


إذن هل نضحي بالمدنيين مقابل عدم تعذيب زارع القنبلة؟
في الحقيقة ما أراد الكاتب أن يقوله مثلما ذكرت في البداية أن هذا السؤال مخصص لتكون إجابته بنعم فقط. وأي إجابة أخرى تعني موافقة الشخص على موت المدنين الأبرياء.


إذن ما الحل؟ العقل تعود علي قراءة هذه السيناريوهات بارتباط شخصي، إذا تعرضت لذلك ألن أقوم بضرب الرجل الذي أعتدي علي ابنتي؟


في الحقيقة هذه السيناريوهات ليست مصممة من أجلك، أو لشخص واحد بل هي مصممة للسياسات أو لإقناع الدول علي المدى البعيد بشرعية استخدام التعذيب بعد أن تصبح في الدماغ ذات مبررات قوية لاستخدامها.


الفكرة التي يتبناها الكاتب هي صعوبة إن لم تكن استحالة حدوث سيناريو القنبلة الموقوتة علي أرض الواقع، ما هي احتمالية إمساك الشرطة بالشخص المذنب قبل مدة مثالية لإيقاف القنبلة؟ كيف نتأكد من أنه هو الشخص المذنب؟ التعذيب فعال جدا لدرجة تجعل الكثير من الأشخاص يعترفون بأشياء لم يفعلوها أبدا.. كيف يعقل أن تقبض الشرطة على المذنب الحقيقي (مما يتطلب الكثير من المعلومات والمراقبة والجهات المساعدة) دون أن يكون لديهم حل آخر أو علي الأقل طرف خيط جديد لتتبعه؟..


عندما تصمم سؤالا وتحيطه بعده ظروف لخدمة إجابة واحدة فلا نحتاج للكثير من التفكير لمعرفة أن هذا السؤال موجه لفرض فكر ويبدو من خلال التجارب التي سردها الكاتب أن حتى كلمة ثقيلة ومؤلمة مثل التعذيب يمكن تبريرها.


للتواصل مع الكاتبة من "هنا" أو من خلال التعليقات

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب