القائمة الرئيسية

الصفحات

رودينا موسى تكتب: الثقافة في زمن المتحرشين الجدد



الولوج إلى الوسط الثقافي خطوة غدت من الضروري أن تكون محسوبة، ليس فقط لازدحام الوسط بالأفاقين، المُجاملين وأصحاب المصالح ولا حتى لكونه بوابة أصبحت مفتوحة لكل من «هب ودَب»، لكن لاندساس المتحرشين فيه، المتحرشون الأذكياء تحديدًا الذين يجعلون الضحية تشك أنها مُذنبة أو مجنونة أو يتهيأ لها ولا يكتفون بهذا القدر فحسب، بل يطعنون في شرفها في النهاية ويختلقون قصصًا كاذبة تمس سُمعة الضحية، هذا النوع بالتأكيد يتعارض مع ما نعرفه عن اتسام الأوساط الثقافية بالرُقي والتحضر واحترام الآخر وكل الشعارات الجميلة التي نسمعها ليل نهار.



- استغلال وتجاوزات من أجل فرصة


ولا يمكن تحديد مواقع أو أدوار ثابتة لهؤلاء المتحرشين في الوسط الثقافي فإذا قولبنا المتحرشين في شكل هرمي مُعتدل، فستكون قمة الهرم هم فئة المستغلين لمهنة النشر، فمن المعروف أن أزمة الكتاب الجُدد أو المُنضمين حديثًا للوسط الأدبي تتلخص في "نصب" بعض أصحاب دور النشر، واستغلالهم لعدم خبرة شباب الكتاب، فيطلبوا من الكاتب دفع آلاف الجنيهات لنشر عمله، ويمنعوا عنه حقوقه المادية مع إهمال توزيع عمله الأدبي أو بجعل الكاتب يوقع عقد احتكار بثلاث أو خمس سنوات فيما أكثر، لكن من غير المألوف أن ينضم لسلسلة المشكلات السابقة مشكلة "التحرش" بالكاتبات الجدد من قبل بعض ممن يصفون انفسهم بأنهم ناشرون، فلم يقتصر الأمر على الاستغلال المادي فقط بل امتد ليصل إلى التحرش - اللفظي والجسدي- والابتزاز الجنسي. وقد تم التحقيق في بعض هذه القضايا التي تخشى كثير من الكاتبات الخوض فيها لأسباب اجتماعية عديدة.

 

نرشح لك: تبدأ بـ 5 جنيهات.. تعرف على مبادرة بيع الكتب المخفضة بـ مكتبة وهبان


الاستغلال هنا يأتي من حماس الكاتبات في نشر أعمالهن خاصة لو كُن صغيرات السن، إذ أن «النشر» هو الحلم الذي يتمناه الكتاب الشباب في العموم، وفي سبيل تحقيق هذا الحلم يتنازلون عن أي شيء وكل شيء ومن هنا يتم استغلالهم، ومن ناحية الكاتبات تكون العملية أشبه بمقايضة.. قبول التجاوز والتعدي مقابل طباعة ونشر العمل الأدبي، وكلما كانت دار النشر ذات اسم كبير ومعروف كلما ازداد أمر الانضمام لها صعوبة وتطلب مزيدا من التنازلات. 


هذه ليست طريقة التحرش الوحيدة التي يمارسها الناشرون إذ يتبع البعض منهم نقيض الطريقة السابقة تمامًا فيغدق أموالاً طائلة على الحملات الإعلانية والتسويقية لصالح عمل كاتبة بعينها دونًا عن باقي إصدارات داره، ويحرص على أن يقدم لهذه الكاتبة "تحديدًا" مقدًما للتعاقد دونًا عن سائر كُتابه أيضًا، ويولي لها اهتماما استثنائيًا ويقدم لها الهدايا دون مبرر أو مناسبة، يصطحبها في حفلات السهر والعشاء، ويزوّر لعملها عدد طبعات وهمية، كل هذه المحاولات تكون وسيلة ضغط فيما بعد على الكاتبة لقبول تجاوزاته معها، فاتورة يدفعها الناشر ليحظى بأوقات من المراهقة والتصابي مع الكاتبات صغيرات السن. 



- التحرش تحت شعار الدعم


الطبقة الثانية من الهرم تكون من فئة «الكُتاب»، هناك بعض من الكتاب والصحفيين الكبار يتربصون لكاتبات العمل الأول تحديدًا، يبادرون بكتابة آرائهم عن أعمالهن ويمتدحون أسالبيهن ونضجهن غير المعهود في كتابة العمل الأول، يتوددون ويتقربون لهؤلاء الكاتبات بهذه الحيلة وبعد فترة لا بأس بها من التواصل بينهم يبدأ هؤلاء بالتحرش بهن عن طريق إرسال القصائد والعبارات الايروتيكية لهن، ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت بالطبع هذه العملية. 


يقوم هؤلاء الكتاب بتغليف عبارات التحرش بشكل ذكي ومخادع، بأن يبدأ الكاتب منهم حديثه بمدح ذكاء الكاتبة وفصاحة وبلاغة أسلوبها وتفتّح عقلها - الذي يسبق عمرها بكثير- ثم ينقل حديثه بعدها بوصف جمال جسدها ومفاتنها، فيكون ظاهر الأمر هو دعم الكاتبات وتشجيعهن وفي باطنه التحرش والتعدي. 



- قارئ بدرجة سفير النوايا "غير الحسنة"


المستوى الأخير من الهرم هم فئة «القُراء».. ظاهرة تحرش القراء في الوسط الأدبي موجودة لكن الحديث عنها نادر، وعند رصد وتتبع ما يقوم به القارئ المتحرش وجدنا أنه ينضم إلى كل مجموعات «جروبات» القراءة الشهيرة ويحرص أن يكون متواجدًا فيها بصفة مستمرة .. يتفاعل، يتحدث، يشارك المنشورات، ويقدم الكثير من المجاملات لأعضاء المجموعة في البداية حتى يكسب ثقتهم ويكوّن من خلال هذه الثقة الصداقات، فلا تشك في أي منهم أن يكون مُتحرشًا أو يمارس أي نوع من أنواع التعدي على الغير وبدلاً من توزيع المجاملات على الجميع يبدأ القارئ المتحرش في اقتصار مجاملاته على كاتبات بعينهن بعبارات محددة ومحفوظة. 




لا يشارك إلا صور واقتباسات من أعمال هؤلاء الكاتبات وما إن ينجح في لفت انتباه الكاتبة منهن بالرد عليه حتى يلجأ لحيلة خبيثة وهي ملاحقة الكاتبات بالرسائل الفيسبوكية بحجة طلب المساعدة منهن بالاطلاع على المسودة التي كتبها لأنه يحتاج لرأي كاتبة مبدعة مثلها بالطبع ولأنه يريد الاستفادة من خبرتها والحصول على المساعدة منها، يعطي القارئ المتحرش منهم الحق لنفسه في الدخول للأمور الشخصية للكاتبات وازعاجهن بالرسائل والاتصالات وملاحقتهن في الندوات والتجمعات الثقافية وما إن تُعرب الكاتبة منهن عن ضيقها ورفضها لاقتحام القارئ المتحرش لحياتها الشخصية حتى يقوم بالتشنيع عليها وإطلاق الاشاعات الكاذبة عنها كأن يقول: هذه الكاتبة لا تقبل النقد .. روايتها «الفلانية» ضعيفة ومفككة.. لقد حصلت على الجائزة الفُلانية بفضل علاقاتها.. سرقت فكرة روايتها من العمل الفلاني.


وسلسة لا تنتهي من الإدعاءات والأكاذيب التي تنال من الكاتبات وتفقدهم سلامهن النفسي. 


ولأن الكاتبات لسن ضحايا على الدوام فهناك كاتبات يستغللن قصص التحرش لأغراض معينة كالشهرة وشحذ التعاطف، فهناك كاتبات يعشن على إثارة الجدل ويعشقن أن يكن حديث الوسط لفترات ليست قليلة وهو ما يساعدهن في الترويج لأعمالهن وكسب المتابعين والقراء بأن يضفن بعض «البُهارات» إلى الحكايات والمبالغة في سرد الوقائع ما يهول من القصة والحكاية ويدفع محبيها ومتابعيها للتفاعل وتحظى بعدد من التحقيقات والتقارير الصحفية. 


كل الأحداث والوقائع السابقة ليست هي الحالة العامة في الوسط الثقافي لكنها ظواهر تحدث فيه وتنتشر وتدفعنا بدورها لتحليلها والكشف عنها.

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. مقال موفق جدا من حيث اللغة المستخدمة و المجهود البحثي في تقصي تفاصيل الظاهرة المشينة لأصحابها في انتظار مقالات جديدة من قلم مميز يشق طريقه بقوة و سرعة في الكتابة الصحافية و الروائية بالتوازي تمنياتي بالتوفيق فيما هو قادم

    ردحذف

إرسال تعليق

شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب