القائمة الرئيسية

الصفحات

خيوط من سيرة الروائي إبراهيم عبد المجيد.. (حوار)


 حوار/ سيد عبد الحميد


في هذا الحوار حاولت طرح أسئلة غير تقليدية لأحد أهم كُتاب الوطن العربي، بالنسبة لي كل ما يكتبه إبراهيم عبد المجيد يتخطى كونه عمل أدبي فريد، تتجاوز كتابته حدود الزمان والمكان، وتتضمن عدة تصنيفات لمدارس أدبية عديدة ما بين الدراما الاجتماعية والواقعية السحرية التي كانت رفيقته منذ أول أعماله. هذا حوار للإمساك بعدة خيوط من سيرة الروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي تشرفت بحواري معه.





في كتاب "الأيام الحلوة فقط" ذكرت وجود شبيه لك في نفس جهة العمل كنت تتفق معه علی أداء مهمات في العمل باسمك وأنت كنت تفعل المثل بسبب التشابه الكبير بينكما، في الكتابة من الكاتب الذي يمكن أن يكون شبيها لإبراهيم عبد المجيد "مصري/عربي/ عالمي"؟


- هذا السؤال ليس لي.. أنا مهمتي الكتابة. المقارنة مهمة النقاد . أنا تأثرت بكتاب كثر لكن ليس بالضرورة أن أكون شبيها لأي منهم، والتأثر هو في فتح مساحة لا حدود لها للنفس البشرية، وفي فهم معني المكان والزمان، وكيف يكون استخدام اللغة والتصوير وغير ذلك مما قرأت في سن مبكرة. ومع الزمن يقل التأثر ومؤكد يتأثر بك آخرون لكن ليس مهمتي أن أعرفهم، وأعتقد أن التشابه بين الكتاب لا يكون إلا في العموم . 


من الكاتب/ة الشاب/ة الذي تتابعه وتتوسم في مشروعه الأدبي النجاح، ومن الكاتب الذي تتابع إصداراته بشكل مستمر، ومن هم أبرز الكُتاب الذين قرأت لهم، ومازلت تحرص علی القراءة لهم حاليا؟

 - سؤال صعب.. الآن اقرأ لكل كاتب عملا أو عملين إذا اتيحت الظروف وغير قادر علي متابعة الجميع. بالنسبة للشباب أو غيرهم مؤكد سأنسي بعضهم لكثرتهم وكثرة من قرأت لهم. خذ عندك أسماء مثل  أسامة حبشي وحسين عبد الرحيم ورضوي الأسود ورشا سمير ومنى الشيمي وفاروق الحبالي وعلاء فرغلي وإبراهيم فرغلي وصابر رشدي وحاتم حافظ ورباب كساب وسعاد سليمان ومنير عتيبة ووجدي الكومي وياسر عبد اللطيف وأحمد عبد اللطيف ومنصورة عز الدين وضحي عاصي وحسام العادلي وغيرهم كثير جدا.. ستملأ أسماؤهم الحوار ومن كل الأجيال وكذلك من العالم العربي ولا أستطيع للأسف أن اتابع كل أعمالهم  لانشغالي أنا بالكتابة أيضا فلست ناقدا ومؤكد أني نسيت الكثيرين الآن وأنا أذكر الأسماء .



في الفترة الماضية ظهرت أكثر من إحصائية تشير لارتفاع معدلات القراءة في الوطن العربي وخصوصا في فترة الوباء، ولكن هذا كان بالتزامن مع ارتفاع معدلات انتشار الكتب المزورة، ما تعليقك علی الأمر؟

- منذ سنوات اقرأ عن اتساع نسبة القراءة. ربما ما سببه الوباء من عزلة في البيت ساعد عليها أكثر. لكنها ليست الكتب المزورة فقط. الإنترنت وإتاحة الأعمال مجانا لها دور أيضا.






كتبت أعمالا عديدة تحت تصنيف الواقعية السحرية، ورغم ذلك كانت تلك الأعمال تتقاطع معك في حياتك الشخصية، أيهما أصعب بالنسبة لك وأيهما تُفضل الكتابة الخيالية أم الواقعية؟

- بالنسبة لي لا يوجد فصل بين الاثنين. الواقع هو الأرض التي ننطلق منها لكن الخيال هو الذي يجعلها فنا، وقد يتفاوت من رواية لرواية لأسباب فنية وليس ليكون هدفا في ذاته. أنا منذ الطفولة قابلت غرباء لهم حكايات ساحرة أكثر مما قابلت من ناس عاقلة تتحدث عن مشاكلها. فضلا عن قراءاتي مبكرا في الفولكلور وفي ألف ليلة وليلة ودراستي للانثروبولوجيا والفلسفة. ولا توجد صعوبة بلا متعة. متعة الكتابة نفسها تزيل كل صعوبة. وفي النهاية الذي يفرض الخيال هو المكان أكثر من أي شيئ آخر . فرواية مثل "المسافات" التي انتهيت منها عام 1980 وكانت الثانية لي أحداثها كلها في مكان يطل علي بحيرة وسكك قطارات وصحراء يسكنه غرباء لا يمر عليهم أحد، فكان طبيعيا أن يكون الخيال هو المساحة الأكبر وبعدها تتوالى الصور والأحداث الخيالية متأثرا بما شاهدت أو سمعت من حكايات للغرباء، وبما قرأت في الفلسفة والانثروبولوجيا والفولكلور . حتي حين كتبت رواية مثل "قطط العام الفائت" عن ثورة حدثت في بلد غريب ومليئة بالخيال لكن الأحداث في معظمها تحيلك إلي ماجري في الثورات العربية وان كان الخيال يأخذها إلي اسلوب وصور أخري.



السينما لها مكانة كبيرة في قلبك، ما هي أفضل الافلام وأفضل كتاب السيناريو الذين تفضلهم، ولماذا لم تكتب للسينما؟

- للسينما مكان أساسي في حياتي لأني كنت حريصا علي دخول السينما منذ الطفولة .كان موضوع الفيلم هو ما يجذبني كصبي أو طفل . الدنيا واسعة زمان والناس قليلون في الإسكندرية أو غيرها من المدن. الإسكندرية ذلك الوقت  كانت عامرة بقاعات السينما. درجة أولى في محطة الرمل ودرجة تانية في محطة الرمل وكامب شيزار وسبورتنج والمنتزه ودرجة تالتة في كل الأحياء. أنا ابن حي كرموز ومدرستي الابتدائية كانت في القباري وكذلك الإعدادية كانت في الورديان فكانت سينما النيل أو سينما مصر التي صارت مصنعا الآن في شارع النيل في كرموز أول ما دخلت من سينمات بتسعة مليم وكانت سينما الهلال بالقباري في طريقي إلي المدرسة ، ومن كرموز أخذت طريقي إلي سينما الجمهورية في راغب – صارت مسرح أفراح فيما أعتقد – وكانت بقرشين صاغ أو كما كنا نقول نص فرك . ومنها أخذتني قدماي إلي سينما الدورادو بتسعة مليم أيضا في محطة مصر وسينمات الدرجة التانية في شارع فؤاد – بلازا وسينما فؤاد- وسينما الهمبرا في شارع صفية زغلول وماجيستيك في شارع شكور وريتس بمحطة الرمل  وركس في المنشية وغيرها في كل الأحياء . كلها سينمات ضاعت وكتبت عنها في كتابي "أنا والسينما " ما يكفي. فتحت لي السينما قراءة الروايات المأخوذة عنها الافلام وتطورت في فهم السينما بالقراءة وعرفت معني المشهد وقدرته التعبيرية . السينما أثرت في اللغة بلاشك وأثرت في اندفاعي لقراءة الرواية. السينما كان لها الأثر الكبير في تكويني .

 منها عرفت أسماء كتاب كبار في مصر والعالم. أفلام الأساطير اليونانية أخذت مساحة كبيرة في روحي مثل أفلام الأوديسا وهيلين الطروادية المأخوذ عن الالياذة أو افلام هرقل او حتي أفلام ماخوذة من قصص التوراة مثل شمشون ودليلة وغيره. باختصار أفلام الخيال. بعدها أفلام الكاوبوي وكانت أيضا مليئة بالخيال. بعدها أفلام الحروب ثم أفلام مأخوذة عن روايات يطول ذكر اسمائها فهي بالألالف وأكثرها ذكرته في كتابي " أنا والسينما " ثم أفلام الحب العظيم مثل "روعة علي العشب " و"قصة حب" و"تيتاتك " مثلا. لم أكتب للسينما لأن الرواية أخذتني أكثر واكتفيت بالفرجة علي السينما والتطور في فهمها ومن ثم والكتابة عنها في بعض الاحيان. ومنها تعلمت كيف تتحول اللغة الي صورة  برغم عدم وجود كاميرا.



ما رأيك في حركة الترجمة التي تقدمها دور النشر المصرية والعربية ومن الكاتب الأجنبي الذي أثر فيك؟

- حركة الترجمة للآداب العالمية عظيمة جدا في مصر أو في العالم العربي. أما الذين أثروا في فهذا حديث قديم. أنا تأثرت بدوستويفسكي وكافكا ودينو بوتزاتي والبير كامي وكل كتاب مسرح العبث فضلا عن فلاسفة مثل سارتر وغيرهم . ربما لا يؤثر الجديد في رغم المتعة  لأنه لم يعد في القلب متسع أكثر من الإعجاب. الآن أنا اكتب أكثر مما اقرأ. راح الزمن الذي كنت اقرأ فيه كتابا كل يوم أو يومين وهذا أمر طبيعي مع التقدم في العمر . لديّ الكثير أريد أن يمهلني القدر لأنتهي منه وأعرف ان العمر ضيق مهما كانت الآمال.





التجارب الشخصية دفعتك لتكتب "أداجيو" و "حتی لا أنسی أني كنت هنا"، كيف يكون النص حينما يتقاطع مع مواقف حياتية كبيرة كوفاة زوجتك والثورة المصرية؟

- يكون بعد أن يصبح ماجرى غامضا بمرور الوقت كأنه معلق في الفضاء لا تتضح معالمه. الكتابة في نفس الوقت يكون فيها من الوعي أكثر مما فيها من الروح. أنا كتبت "أداجيو" بعد أربعة عشر عاما من وفاة زوجتي و"حتي لا أنسي أني كنت هنا" بعد ستة أعوام من ثورة يناير هي و"قطط العام الفائت" وشملهما السحر والخيال.



نفحات من العزلة قد يصلح مفتتح للعديد من الأعمال الأدبية، هل رغبتك في نشر هذا العمل كانت نابعة من رغبتك في التخلص من أفكاره باعتبارها زائدة أم رغبة في اضافة كتاب بسيط لأعمالك الأدبية التي تتسم بالواقعية السحرية والدراما؟

- والله لا أعرف.. أنا كنت أنشرها علي تويتر والفيسبوك وعرفت أن هناك من يعيد نشرها على صفحته وينسبها لنفسه فطبعتها لا اكثر. وبالمناسبة معظمها وارد في روايتي الجديدة التي ستنشر في معرض الكتاب القادم.


الأيام الحلوة فقط و "ما وراء الكتابة – تجربتي في الأبداع" كتابة كاشفة، كيف كانت الخطوة في ظل صعوبة رواج السيرة أو تأييدها لطبيعة العالم العربي ؟


- الكتابة في الأصل خبرات حياة. طبعا يضاف إليها خبرات الآخرين التي تأتي بالصدفة أمام الكاتب، ويضاف إليها القراءة والمعرفة بقضايا الإنسان الفلسفية الكبرى. الخبرات الشخصية تتسلل ليس كسيرة لكن مع الشخصية الروائية التي تعيد في ترتيب الأحداث والأفكار وتجعل الخبرات عملا فنيا لا سيرة ذاتية . هناك دراسات كثيرة عن الرواية والسيرة ويكاد يكون الموضوع أساسيا في موضوعات النقد الأدبي لكن أي سيرة حين تدخل في الرواية لا يمكن الاستدلال منها علي المؤلف إلا من بعيد جدا ، كأن تقول لقد سافر إلي البلد الذي كتب عنه الرواية .السيرة اعترافات ووضوح لكن الفن غامض لايمكن تفسيره بدقة نهائية. في كثير جدا من رواياتي جوانب من حياتي لكنها ليست سيرة. لقد ذهبت إلي شخصية أخرى وهو صاحبها لأنها في الرواية لم تكن كما جرى في الحياة بالضبط. رواية "أداجيو" فيها الكثير من حياتي لكنه راح لبطل الرواية وما يجمعني به هو حب الموسيقي والألم الذي خبرته أنا في الحياة والذ ي خبره هو في الرواية . " هنا القاهرة" فيها من السيرة ومن سيرة جيلي لكن لايمكن أن تكون دليلا علي كاتبها لأنها تمزج الواقع بالخيال . "الإسكندرية في غيمة" و"طيور العنبر" وغيرها فيها من حياتي لكنها صارت في الرواية عملا فنيا لا علاقة له بوضوح السيرة وصراحتها . الحقيقة هو جانب من الدراسة النقدية مغرً للنقاد لكن لا يستدل منه إلا علي خطوط عامة. هو غطاء لبئر الأسرار. "ماوراء الكتابة – تجربتي في الابداع " فعلها كتاب مشاهير من العالم وربما كل المشاهير ففكرت أن أفعلها ، وفعلتها منذ حوالي عشرين سنة في كتاب صغير يتحدث عن روايات الإسكندرية أكثر من غيرها. فكرت في توسيعه ليشمل كل أعمالي التي صدرت قبل الكتاب، وقراءاتي وتكويني الفكري والأدبي وغير ذلك ليكون درسا للكتاب الجدد ومرجعا للنقاد والصحفيين كما كانت الكتب الأجنبية درسا لي. أما الأيام الحلوة فهو اختيار لأن السيرة في عالمنا العربي من الصعب أن تكون كاملة فاخترت الأيام الحلوة فقط تقديرا لكتاب قضيت معهم تلك الأيام، وأوضحت أني لن أدخل في أيام وحشة إلا قليلا، وحين دخلت تحدثت عن القضية أكثر مما أتحدث عن الناس وحتي من وردت اسماءهم لم اقلل منهم . والاهم بالنسبة لي هو إعطاء القارئ جرعة من الفرح لأن مايقال عن الكتاب أكثره مؤلم ومعاركهم تحتل مساحة أكبر من خفة روح بعضهم . أردت ان احيي ذكري من قابلت أو بعضهم..


من وجهة نظرك هل الكتابة يجب أن تكون صريحة أكثر من كونها بليغة؟


- الصراحة تفسد الفن وتحوله الي أحاديث مباشرة. البلاغة تأتي من القدرة على استخدامك لغة تناسب الشخصية وتناسب المكان والزمان وليست من النحو والصرف فقط. فمثلا حين يجلس شخص بالليل على شاطئ هل التعبير عن مشاعره ستكون لغته مثل شخص يجلس في قطارمسرع . وحين يكون انسان وحيدا هل التعبير عن وحدته سيكون مثل شخص في حفلة مع آخرين . هذه هي البلاغة التي افهمها وليست المعني المباشر للغة  من قواعد ونحو وصرف علي اهميتها لان فقدانها يقلل من الإحساس بها. حتي اذا تكلمت الشخصة لابد أن تكون اللغة متسقة مع مكانها وزمانها . في الفراغ تطول الجمل مثلا وفي الزحام تقصر الجمل وهكذا . تماما كما يرتفع صوتك في الزحام وينخفض في الفراغ . انا أحاول أن ابني بيتا متعدد الطوابق في الرواية . هو المكان وثقافة الشخصيات وأحوالها . شعرية الرواية تأتي من البناء ، وبناء الرواية متعدد اللغات وفقا لشخصياتها ومكانها وزمانها . الحزن يدعو للتأمل فتطول الجمل والعبارات والفرح علي العكس . كما أقول جادا ويبدو للبعض هزارا أن الحديث وأنت تصعد السلم مُرهقا غيره وأنت نازل السلم مسرعا . كما أن العالِم له لغة والعالمة بمعني الراقصة لها لغة ولهجة وهكذا وهذه هي البلاغة في العمل الأدبي. 


قبل أن أنسى أني كنت هنا رواية عن ثورة 25 يناير، رواية عن الثورة بكل ما فيها من رمزية أو واقعية سحرية، ما هي أبرز ذكرياتك مع هذا العمل؟

- هي عن شهداء الثورة وليست عن الثورة نفسها وروادتني وأنا أكتب رواية " قطط العام الفائت" التي هي رواية مجازية عن الثورة لكني وجدت انها تستحق الاستقلال فارجاتها وكتبتها بعد الأولي ، وهذه ليست أول مرة يحدث معي ذلك . فحين كتبت رواية المسافات بين عامي 1977-1980 قفزت رواية الصياد واليمام لكني ارجأتها لتكون وحدها لاختلاف المشاعر . وهذا يحدث كثيرا مع الكتاب . لذلك جاءت رواية "قبل أن أنسي أني كنت هنا "وحدها . هي أيضا تقوم علي العجائب والغرائب لكنها بنت الشجن . في الروايتين أمل حقا لكن هناك فرق بين روح الكتابة في الروايتين . فكرتها ان الاشجار والأشياء التي كانت مع شهداء الثورة تترك الارض التي صارت لا تجدهم بينها . والصورالتي لبعضهم يخرجون منها ويتجسدون ولا يراهم أحد . فكرة خيالية فيها شجن استحقت ان تكون عملا ولو صغيرا وحدها .  هكذا شعرت وهكذا فكرت وهكذا فعلت .


هل كتابتك للواقعية السحرية كانت من منطلق التجريب في المطلق أم أن أعمال بعينها هي التي دفعتك للكتابة باستخدام هذه المدرسة الأدبية؟ 


- للواقعية السحرية تاريخ معي.  كنت في بدابة السبعينيات مثل الكثيرين أنتمي إلى حركة اليسار المصري . بل كنت عضوا في حزب شيوعي سري هو الحزب الشيوعي المصري . وكنت أشعر أن السياسة تضغط علي روحي وتقلل من الخيال فمن البداية أبدو منحازا لبعض الشخصيات عن غيرها . كتبت أكثر من قصة قصيرة ومزقتها . ضغط التفاؤل والانتصار للعمال وغير ذلك كان يكبل الخيال . أو كنت اشعر بذلك . في عام 1978 وفي الليلة التي تركت فيها الحزب الشيوعي عدت إلي البيت أشعر بان شيئا ثقيلا كان علي كتفي وسقط . بدأت في رواية "المسافات " فوجدت نفسي انسج أساطير فرقصت. انتهيت من المباشرة وضغط الفكر السياسي . ولم نكن نعرف شيئا عن جابرييل ماركيز لكنا كنا نعرف الكثير عن ألف ليلة وليلة والفلولكلور . وبالمناسبة الف ليلة وليلة  أحد خلفيات ماركيز، كما أني دارس للانثروبولوجيا في الجامعة . بعدها لم تفارقني الفانتازيا يزيد منها قهرالعالم حولنا فاللجوء إليها حياة . ويزيد منها أني ابن الشوارع الخالية بالليل أيام الشباب أمشي ولا أحد ، والقاهرة لم تكن بهذا الزحام ولا الإسكندرية قبلها واذا قابلت شخصا يكون غريبا . امرأة تهتف وسط الفراغ " يارب " ، أو رجل يمشي يضحك يخاطب الهواء ، أو قط ينظر إليّ أو كلب يمشي جواري والنوافذ مغلقة بينها نافذة تطل منها امرأة في صمت لا تراني وتنظر بعيدا إلي الفضاء . هذا الفراغ حولي وهذه الشخوص الغريبة جعلت من الليل مرفأ للخيال . أنا ابن الليل عشرات السنين ماشيا فيه حتي صارت الدنيا جحيما بالليل والنهار الآن .وفي كل الأحوال صارت الفانتازيا أحد ملامح التعبير الفني في وسط حياة تضع لك خطوطا إذا تجاوزتها يُزج بك في السجون . الكتاب لا يقدر عليهم أحد.


رواية أداجيو كان بها الكثير من المعلومات عن الموسيقى والموسيقيين الكبار، هل تقاطع تدوينك عن الموسيقى مع رغبتك في الحديث عن وفاة زوجتك الأليم أم أنه كان في مجرد تدوين في السياق الدرامي لأبطال العمل؟


- الموسيقي تاريخ معي وظاهرة في أعمال كثيرة قبل أداجيو وإن لم تكتب لها البطولة المطلقة أو تصدر المشهد إلا في بعض الفصول. غرامي بالموسيقي قديم منذ أيام الشباب حين اكتشفت البرنامج الموسيقي بعد سماعي لحوار في الاذاعة مع أنيس منصور تحدث فيه عن الموسيقي والبرنامج الموسيقي . صرت استمع الي البرنامج الموسيقي طول الليل منذ ذلك الوقت . غرامي بالموسيقي الكلاسيك أيضا ساهم فيه  الدكتور حسين فوزي في برنامج اذاعي  كان يطل منه كل أسبوع في البرنامج الثاني . فهمت منه الكثير جدا عن الموسيقي الكلاسيك وأعلامها . صارت الموسيقي هي رفيقي كل ليلة . وكانت دائما تطل وسط الليل عليّ من البرنامج مقطوعة موسيقية حزينة هي اداجيو . كل لية بعد أن ينتصف الليل تاتي أداجيو لدقائق ويعود البرنامج الي السوناتات والكونشيرتات والسيمفونيات والموسيقي التصويرية للأفلام . جاء الوقت الذي ملأت فيه أداجيو الفضاء فتوحدت مع الفقد. طبيعي جدا ان يكون وجودها محسوب دراميا .. الموسيقي صنعت الرواية كما صنعها الفقد.




أغلبية الأعمال الأدبية أبطالها أشخاص يتفاعل القارئ معهم لأنه يشبهم أو يشبهون أشخاص يعرفهم، ولكن ثلاثية الإسكندرية بطلها هو مدينتك الساحلية، حدثنا عن حبك الكبير للأسكندرية؟

- الإسكندرية رأيتها وهي مدينة العالم وأنا طفل بها كل الأجناس والديانات ورأيتها وهي تتحول لتكون خالية من الروح العالمية أيام الصبا والشباب في الستينات ثم تصبح مدينة وهابية بعد ذلك بداية من السبعينيات وكان التآمر عليها مخطط ومنظم. الاسكندرية كانت يوما مدينة العالم وهناك عصر كامل هو العصر اليوناني الروماني يسمي بالعصر السكندري . هي تاريخ تحت الأقدام . وحين رأيتها وهي تضيع فمن الطبيعي أن أحاول تخليدها في اعمالي وخاصة الثلاثية.



قلت سابقًا في  كتاب "ما وراء الكتابة": "ربما لو لم أكن سكندريًا لوددت أن أكون كذلك"، أود أن أسألك لو لم تكن كاتبًا ماذا كنت تحب أن تكون؟

والله بالنسبة لحالة الكتّاب في عالمنا العربي أو حالة عالمنا العربي الآن كنت أود أن أكون في حالي لا معرفة لي بشيئ ولا إحساس بشيئ حولي لكن لا حيلة للمبدعين فقد خلقهم الله للعذاب الأبدي.


(نشر ذلك الحوار بمجلة عالم الكتاب، في عدد شهر إبريل 2021)






author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات