القائمة الرئيسية

الصفحات

حينما يتحول الإنسان إلى ذكرى.. قراءة في رواية "أطياف كاميليا" لـ نورا ناجي



يوسف الشريف


ياللي بتسأل عن الحياة خدها كده زي ما هيا

فيها ابتسامة وفيها آه فيها آسية وحنية

ياما الحياة فيها 

اللي بيشكيها واللي بيرضيها واللي يقاسيها 


أعتقد أن تلك الكلمات التي كتبها الشاعر مأمون الشناوي في أغنية "الدنيا ريشة في هوا"، التي غناها الفنان سعد عبد الوهاب في فيلم "علموني الحب" 1956، ثم أعاد غناءها الفنان محمد منير، يمكن أن تلخص ما قدمته الكاتبة نورا ناجي، في روايتها "أطياف كاميليا" الصادرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع. 


أبطال الرواية هم هؤلاء الفنانون الذين ضاقت عليهم الأرض، هؤلاء الحالمون بالحرية، من يبحثون عنها، من يريدون عيش حياة مغايرة لحياة من حولهم، والانفصال عن القطيع، هؤلاء الذين يريدون أن يعيشوا الحياة كما الريشة في الهواء، طائرة بلا أجنحة،، ولكنهم يبدأوا في فقد الحرية شيئا فشيء، حيث تسلب منهم بطرق عدة. أولها القوالب المحفوظة والتابوهات التي يصنعها المجتمع.



الذاكرة هي الحياة الحقيقية للإنسان، فمن يفقد الذاكرة يفقد حياته، فالذاكرة التي تضم كل لحظات الحب والآسي والحرية وأيضًا الحزن هي الحياة، وفي الرواية بالرغم من اختفاء البطلة "كاميليا" في ظروف غير معروفة نرى أيضا أنه تم استعادة سيرة كاميليا عن طريق الكتابة التي هي ذاكرة موازية لذاكرة كاميليا التي تلاشت. 


وهنا تتضح أهمية الكتابة أو الفن عموما بالنسبة لكل المقهورين ولكل من يشعر بالوحدة، فالكتابة بالنسبة لهؤلاء تمثل أشياء كثيرة، ربما تمثل الكلام والحديث الذي لا يستطيعون أن يتفوهوا به في الواقع، وربما أيضًا تمثل لهم هروب من الواقع أو إقامة حياة موازية.


إن هذا العالم يضيق بكل من يريدون أن يثبتوا نفسهم بعيدا عن سياسة القطيع، حيث يدور الجميع ويعيشوا حياة واحدة متشابهة نمطية مملة. الانفصال عن هذا العالم مؤلم للغاية، ممكن أن يجعل صاحبه يتلاشى مثل كاميليا الكبيرة، أو أن يحاول التعلم من الخطأ مثل كاميليا الصغيرة. التي هي صورة موازية من كاميليا الكبيرة.


منذ كانت طفلة، الكل من حولها يخشى أن تصير نسخة مكررة من عمتها كاميليا الكبيرة، التي تحمل أيضا كثير من ملامح الوجه، وكأن كاميليا الصغيرة تدفع تلك الضريبة التي لا دخل لها فيها، أن تتحمل قسوة العالم الذي لا يريد أن تكون هناك كاميليا أخرى، حتى لا يرى انهزامه الشخصي مجددا.


ولكن مهما حاولوا ستظل كاميليا ترى حقيقتها وأحلامها وأطيافها في المرآة.



author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات