مروة محمد
يسير الواقع على خط موازٍ مع الخيال، فيتقاطعان عند نقطة واحدة، ومن هذه النقطة تتشابك مصائر أبطال الحدث، وتتكون مشاهد مرئية للعين المجردة، وغير مرئية للعقل، فيرفض العقل تصديق الحقيقة الكاملة أمامه. تبدو الأحداث منطقية وخيالية فى نفس اللحظة، فيحدث تصادم بين الواقع والخيال وكأنهم فى معركة حاسمة، ولابد أن يفوز واحد فقط منهما بالاستحواذ على اللقب في هذه المعركة. ارتبط خيالي بواقعى ومعهما منطق الحياة التى نعيشها عند قراءتي رواية "الساحرة والكلب" للكاتب المبدع ميشيل حنا.
الرواية يمكن تصنيفها بأنها خيالية أو تنتمي لأدب الفانتازيا. وما أجمل شعورك عندما يسبح الكاتب بخياله فى بحر كتابة روايته، ويغوص معه القارئ فى عالم لا حدود له من الخيال.
تتطرق رواية الساحرة والكلب إلى عالم السحر الأسود، الذي طالما عانت منه شعوب مختلفة، بسبب جهلها، وفقرها، وعدم إيمانها المكتمل بالدين وبالله عز وجل. عالم السحر الذي تسبب في إلحاق الأذى لكثير من البشر لعدة عوامل أهمها: غياب البعد الدينى، وعدم الإيمان بقدرة الخالق عز وجل.
افتتاحية الرواية جذابة، و مشوقة للغاية، تجذب القارئ للتعمق فى دهاليز تفاصيل هذه السطور، ليبدأ قراءة الرواية فورا، وقد أبدع الكاتب في إيصال هذه الرسالة للقارئ بمنتهى البراعة.
شخصيات الرواية ليست كثيرة، وهذا كان ملائما لوتيرة الأحداث وحبكة الرواية، حيث أنها لا تتحمل وجود شخصيات أكثر من ذلك. اعتمد الكاتب فى سرد الأحداث على راوي واحد فقط و هو "ماجد"، لكن بمنظور مزدوج لحياتين، وهما الحياة الإنسانية والحياة الحيوانية. عبر الكاتب عن الفرق فى المشاعر والاحاسيس، وروتين الحياة، بل إنه استطاع التعبير عن الحياة البيولوجية للإنسان والحيوان، وذلك من خلال ارتفاع الرؤية، وانخفاضها، وعمل مقارنة دائمة بين ما يشعر به الإنسان والحيوان، وما يترتب على ذلك الشعور من ردود أفعال مختلفة سواء على المستوى الإنسانى أو على مستوى الحيوانات.
يمثل "ماجد" البطل الرئيسي للأحداث منذ افتتاحية الرواية وحتى نهايتها، لأنه بطل الرواية الواقعية والرواية الخيالية. جسد الكاتب "ميشيل حنا" من خلال شخصية ماجد، كل ما يمر به المراهق من تذبذبات، وتردد فى اتخاذ القرارات خلال هذه الفترة من حياته. كما وضح لنا مساوئ التربية الخاطئة للأطفال، وقهر الآباء للأولاد والذى يؤدي إلى عنف الأبناء، ويولد مشاعر الكره، والبغض، والألم تجاه آبائهم، نتيجة لمعاملتهم السيئة لهم خلال مرحلة طفولتهم.
من أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي في الرواية، هو المكان، حيث اختيار الكاتب حي مصر الجديدة تحديدا، وشوارعها، وميادينها مثل: ميدان سفير، ميدان الإسماعيلية، شارع عثمان بن عفان، وحديقة الميرلاند، مع ربط كل هذه الأحياء والميادين ببعضها البعض، وخلق حالة وجدانية للبطل عند مروره بكل هذه الشوارع، عندما كان إنسانا مقيدا، لا يستطيع العبور و المرور من هذه الشوارع والميادين. ثم استرد حريته، واستطاع عبورها، ورؤيتها بصورة أوضح وادق عندما تحول إلى كلب.
طرحت الرواية شكل حياة الكلاب بيولوجيا وحياتيا، وروتينهم اليومي في الحياة، نظرتهم الشمولية للإنسان، ومدى العذاب والقهر الذي يتعرضون له فى الشارع، و بساطة حياتهم، ومفهوم الحرية لديهم أعم واشمل، حيث يملكون السلطة والخق فى تنفيذ أى شئ فى أى وقت على عكس الإنسان.
كانت الرواية بالنسبة لي، جرس إنذار للرفق في معاملة الحيوانات، وتغيير نظرتي للآخر بشكل عام، والتعمق والبحث المستمر أكثر وأكثر لمعرفة تفاصيل حياتهم. انتقل الكاتب بسلاسة في آخر فصول الرواية ليضع الكرة فى ملعب القارئ، بأن الرواية الواقعية هى الأساس، الذي تفرع منه الرواية الخيالية، لتهدئة رتم الأحداث نوعا ما، لكي يوضح حقيقة أن الإنسان يفعل أبشع التصرفات دون أن يدرك ذلك في قرارة نفسه، ويؤثر بذلك سلبا على أسرته وعلى من حوله.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب