القائمة الرئيسية

الصفحات

سارة إبراهيم تكتب: عزيزي القارئ.. كفاية "هري"




تعددت القراءات، وتعددت الكتب، والكُتاب، وعليه تعددت أنواع القراء كما تعدد وتمدد كل شيء حولنا واصطبغ بألوان ونكهات ماجنة..


في البدء كانت القراءة الهواية التي لا جدال عليها. شيء يفعله الإنسان لتعم المنفعة عليه أولا ثم على من حوله، ومع التمدد الحضاري والثقافي وربما الانفجار السكاني أخذ ظهور لقب "القارئ المثقف" في الصعود بقوة. لقب ربما تستحقه بحق أو بدون حق، لقب يعطونه لك ربما بعد عدد معين من القراءات وتتأهب معه صعودا للدخول في مبارزات تحديات القراءة وكم كتاب قرأت لهذا العام؟.. لقب لا نعرف من قام بتتويجك وتربيعك على العرش لتستحقه!!


تأخد الأمور بعد ذلك منحنى أخر؛ فبعد حصولك الوهمي على اللقب والانتعاش بملاصقة كلمة "المثقف" تتسلط عليك نفسك للدخول مرة أخرى في مبارزات أشبه بدخول ساحات الحرب معلنا بذلك انتصارك في أنك الأجدر والأحق في التنظير والتنطيط في إبداء الرأي، ومن يخالفك الرأى تصب عليه اللعنات من كل حدب وصوب بل وتريد أن ترمي به إلى الجحيم.


ولهذا.. اكتسب القارئ كل يوم أرض جديدة اتخذها حصنا للاستمتاع وللتعبير عن نفسه تارة، وللتراشق تارة، وللتنظير على من حوله تارة، وللنصح والإرشاد وتوجيه قراء وكُتاب أخرين تارة أخرى. وكل هذا يأتي تحت مظلة الظن بأنه مثقف. ربما القراءة في حد ذاتها بها سحر ما جعل كل من أدمنها يقبل على فعل أشياء أخرى.


ظهر في بادئ الأمر "القارئ الهاوي".. هذا الكائن الأصيل الطيب الذي يصب كل انتمائه لفعل القراءة فقط. يقرأ ليستمتع.. ليكتشف مواطن ضعفه وربما قوته.. ليفتش عن معان عجز كثيرا عن صياغتها بمفرده أو ربما ليكتشف ضالته بين السطور. هذا الكائن الذي في نهاية الأمر تجده يعيش في سلام ويعبر عما جال بخاطره بكلمات بسيطة رقيقة؛ حتى مع أعتى درجات عدم الاستحسان لما قرأه تجده أيضا يعبر بمنتهى الإنسانية والطيبة في كلمات موجزة نعرفها جميعا.


وعلى الجانب الآخر "الكاتب".. هذا الكائن الذي يتطلب منه أن يكون لديه الموهبة أولا ثم أن يكون قارئا جيدا ليكمل مسيرة أسلافه المقدسة ويمتعنا. هذا الذي يتعب حقا ولا يكل أو يمل للإتيان بفكرة ما شغف بها طويلا. ويتحمل وحده مشقة الطريق لظهور كلماته للنور. ربما أيضا تعددت أنواع الكُتاب ولكن هذا يتطلب مقالة أخرى من المحتمل أن أوافيكم بها قريبا فدعونا من هذه النقطة الآن.


وبعد القارئ الهاوي والكاتب.. ظهر "الناقد أو المحلل".. فأن تكون ناقدا أو محللا فلابد وحتما أن تكون قارئا شغوفا في الأساس. وهذا الكائن لابد من تعظيم سلام له، فهو من تعب وسهر الليالي لدراسة علم معقد ومتبحر لينزل علينا من دراسته شيئا نقرؤه لنكتشف معه كهواة كل ما عجزنا عن التقاته بين السطور أو سقط سهوا عند الكتابة؛ هذا الذي يضرب سهامه في صميم حجر الزاوية لنرتقي جميعا.


ثم جاءت لحظة الانفجار وجاءت معها الآلام والمعاناة.. ظهرت منصات القراءة الأولية كGoodreads  للم شمل كل من شغف بالقراءة والكتابة معا؛ ولتفجر لنا بقوة عددا هائلا ممن أطلق عليهم "الكائن الهجين"؛ هذا الخبيث الذي تخلى عن موقعه الأصلي "كقارئ هاوي فقط" وتسربل بعباءة الناقد، ثم تلبسته عباءة الكاتب ليصنع بذلك خليطا عجيبا يقوم بالتوجيهات والتعليمات والتنظيرات على المنظومة بأكملها. هذا الذي حل محل الكاتب والناقد ليفتي دون معرفة أو دراسة حقيقية. هذا الذي اعتبر نفسه متخصصا علميا أو ربما ثقافيا وقام بالجلد في إبداء الرأي بناء على عداوات سابقة تارة أو محبة في "التنطيط" على من حوله تارة أخرى.


هذا الذي يعتبر كل من حولة جهلاء وأغبياء وأعداء إذا لم يشاركونه نفس الرأى؛ بل ويعتبر من لا يقرأ مثله أقل شأنا منه.. هذا الذي يمتلك فائض العالم أجمع من الفراغ ويملأه برسم وإطلاق حملات ممنهجة ومشبوهة ظنا منه أنه الأحق بصك الامتياز الثقافي. هذا الهجين الجاهل الذي يعيث في الأرض. فلماذا يا عزيزي الهجين لا تكتب أنت كتابك ونستريح جميعا!! ربما أعتذر لك يوما. لماذا لا تقرأ في هدوء أو تشير عقلك في الاختفاء لأجل غير مسمى؟


لماذا تبدلت الأدوار والمقاعد إلي هذه الدرجة؟ أكان هذا هو ما نرجوه من منظومة شعارها الأول هو الرقى والسمو الإنساني والثقافي والأخلاقي؟ من أشعل فتيل الحملات الممنهجة والتراشق والتنظير والتقليل والجلد واللت والعجن؟ من أين ظهرت تلك الآفة السامة؟ من أين لك هذا يا عزيزي الذي يلقبونك بالمثقف وأنت بعيد كل البعد عن تلك الكلمة؟!


نرشح لك: حصريا.. قصة "موت حلو المذاق" بصوت أحمد القرملاوي

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات