القائمة الرئيسية

الصفحات

يوسف الشريف يكتب: أزمة الوطن وأزمة الفنان في "حارس التبغ"


في روايته "حارس التبغ" الصادرة عن دار "ألكا" للنشر والتوزيع، يقدم الروائي والكاتب العراقي علي بدر، خطابا سرديا يشرح ويحلل أزمات العرب في العصر الحديث، منطلقًا من وطنه العراق، من خلال حكاية فنان مأزوم نستطيع أن نتعرف على أبرز الأسئلة الإنسانية الكبرى بشكل عام.


في الصفحات الأولى من الرواية نتعرف على أبرز الأحداث الكبيرة التي جرت في الوطن العربي والعراق في العصر الحديث منذ مطلع القرن الماضي، مثل المرة الأولى التي تدفق فيها النفط في أول بئر في العراق عام 1927. وإعلان نهاية الانتداب البريطاني رسميًا على العراق في العام 1932. وإسقاط الجنسية العراقية عن اليهود، والعدوان الثلاثي على مصر 1956، وما تبعها من مظاهرات صاخبة في بغداد وبعض العواصم العربية تدعيمًا لمصر ولجمال عبد الناصر. ثم الانقلاب العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم في العراق عام 1958، وأحداث أخرى كثيرة هامة ومفصلية في تاريخ الوطن العربي تلك المنطقة التي تموج بأحداث صاخبة من حروب وفتن في العصر الحديث.

 

كانت تلك الافتتاحية بمثابة تمهيدا جيدا من الكاتب، لكي يروي لنا بعد ذلك قصة البطل الذي هو الإنسان التائه المشتت، الباحث عن الإنسانية والجمال، وسط دماء الحروب والسفك والقتل، والتنكيل.

 

البطل هو يوسف سامي صالح عراقي يهودي، أجبر على ترك وطنه الذي ولد وعاش فيه وأصبح فنانا فيه لمجرد أنه مختلف في الديانة، تحكي الرواية بسرد تأملي كيف تشتت هذا الفنان وأزمته الإنسانية في البحث عن هوية جديدة بعد أن تم إسقاط هويته عنه، فهو لا يستطيع العيش في تلك المدينة المزيفة التي تم احتلالها لتكون وطن لليهود أو بمعنى أصح للصهيونية، وبالتالي سقط عنه اسمه وأصبح يطوف في بلاد العالم مستخدمًا أسماء مختلفة. ليبرز أثر الحرب على العالم أجمع وعلى الإنسان وليس على منطقة جغرافية بعينها. هذا الفنان الموسيقار الذي "كان يشعر في سره أن هذه الألحان التي يطلقها لها تأثيرا سحريا على الناس، هذه الألحان هي التي تجعلهم يتوحدون في قابليتهم البشرية على التأثر بالجمال".

 

وكان يرفض "ذوبان كل شخص في الدور، أنت يهودي عليك أن تلعب دور اليهودي وتأخذ قناع اليهودي، أنت مسلم عليك أن تلعب دور المسلم وترتدي قناع المسلم، أنت مسيحي، عليك أن تلعب دور المسيحي وترتدي قناع المسيحي، هذه الأقنعة تيسر للمرء أن يعيش في المجتمع، غير أن رفض القناع يبقى الفنان غريباً على الدوام". فالبطل الذي فقد هويته بسبب التمييز الديني العنصري، وسط عالم يتظاهر بالفضيلة ولا يؤمن بحرية الاعتقاد، البطل يفقد هويته الوطنية فيفقد معها هويته الإنسانية، فالوطن ليس فقط المكان الذي تولد وتعيش فيه وتحمل جنسيته، بل هو هويتك، فالإنسان مهما كان دوره هو ركيزة أساسية في المجتمع والوطن، وسقوط الإنسان يعني سقوط الوطن، وهذا ما حدث في رواية "حارس التبغ".

 

هذه رواية تنتصر لقيم الفن والجمال وتعيد أسئلة كبرى أبدًا لن تنتهي لطالما كان الإنسان يكرر أخطاءه على هذه الأرض، فهي رواية قبل كل شيء، تنتصر للإنسان.

author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات