القائمة الرئيسية

الصفحات

"يستاهل ضرب الجزم".. كيف قابل الأدباء رواية سلمان رشدي في الثمانينيات؟

 


طاهر عبد الرحمن


بعد أكثر من 30 عاما من صدورها عادت رواية الكاتب البريطاني (الهندي الأصل) سلمان رشدي، "آيات شيطانية" إلى دائرة الضوء مرة أخرى، بعد حادث الاعتداء الذي تعرض له أثناء محاضرة له منذ أيام في نيويورك.


في الواقع فإن الجدل حول الرواية لم ينته أبدا، حيث استمر منذ صدورها طول الوقت بين قطاع كبير يرفضها جملة وتفصيلا وبين قطاع محدود نسبيا يدافع عن حق كاتبها في الإبداع والخيال الأدبي.


وكما هو معروف فإن عوامل كثيرة ارتبطت بتلك الرواية، الديني بالسياسي، وصنعت منها حالة خاصة جدا في تاريخ الأدب العالمي (ولن نناقش كل ذلك هنا).


ومع تجدد الحديث مؤخرا عنها، بعد حادث محاولة اغتيال سلمان رشدي خلال إلقائه إحدى محاضراته بنيويورك، ثار لغط كبير حول موقف الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ منها، حيث قام البعض بالإشارة إلى تصريحات قديمة له عنها، وهى تصريحات يُفهم منها - بشكل واضح - رفضه لها، بل ووصل الأمر لحد مطالبته - كما نقل عنه - بمحاكمة سلمان رشدي.



كل ذلك استدعى عودة للأرشيف الصحفي لتبيان الأمر على حقيقته، وهل فعلا كان ذلك هو موقف أديب مصر والعرب الأكبر أم لا؟ وفي الحقيقة فإن هناك تصريحات بمثل ذلك المعنى نُقلت عن محفوظ نشرتها إذاعات وجرائد عالمية وعربية ومصرية، وهو ما دعا الأديب الكبير إلى كتابة مقال (تم نشر صورته ومحتواه على مواقع التواصل الاجتماعي) يوضح فيه موقفه، وهو موقف محترم وصادق ويتسق تماما مع رجل عاش حياته للأدب والإبداع.


نرشح لك: بعد محاولة اغتيال سلمان رشدي.. ننشر نص مقال نجيب محفوظ حول رواية "آيات شيطانية" المثيرة للجدل


وبعيدا عن موقف نجيب محفوظ واللغط الذي دار حوله، فلقد عنّ لنا استكمال البحث في الأرشيف الصحفي حول مواقف كبار الكتاب والأدباء من تلك الرواية وقت ظهورها ورأيهم فيها، وهذه العودة ربما تكشف لنا الكثير والكثير حول قضايا الأدب والإبداع والفن بصفة عامة.


وبكل تأكيد فإن كتاب مصر (وهم الذين اقتصر البحث عنهم هنا) لم يتأخروا في التعبير عن مواقفهم من تلك الرواية علنًا، بالتصريحات والمقالات، لأنها بالفعل كانت مثار جدل واسع في وقتها، خصوصا مع الفتوى التي أصدرها مرشد الثورة الإيرانية، آية الله الخميني، بإهدار دم سلمان رشدي، عام 1989، بعد ما أثير حول احتواء الرواية على سب وشتائم للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحابته وأزواجه، وهو ما استدعى اهتمام الرأي العام والصحافة العالمية (بل ودوائر السياسة والحكم في عواصم أوروبا وأمريكا) واعتبار تلك الفتوى محاولة لهدم أهم مقدسات العالم الأول، ألا وهي الحرية.


ولعلها مفاجأة كبرى القول أن غالبية كتاب والمفكرين والمثقفين المصريين كان لهم موقف عدائي من الرواية وكاتبها، وذلك لأنهم - بشكل مباشر - تعاملوا معها على الأساس الديني وفقط.


لذلك - مثلا - نجد الكاتب الصحفي الكبير أنيس منصور يكتب مقالا طويلا ( عدد 25 فبراير 1989 من جريدة أخبار اليوم) بعنوان: سلمان الكذاب.. مؤامرة على الإسلام، شن فيه هجوما كاسحا على سلمان رشدي وروايته، ووصل لدرجة أن كتب بالنص: " إن سلمان رشدي يستحق ضرب الجزم من كل المقاسات".





واعتبر منصور أن هناك مؤامرة على الدين الإسلامي يقودها الاتحاد السوفيتي، وذلك لأنه طلب بعد صدور الرواية بقليل ضم سلمان رشدي لعضوية اتحاد الأفروأسيوي، في حين أن رشدي يحمل الجنسية الإنجليزية.




نفس الموقف تقريبا تبناه الدكتور مصطفي محمود في مقال (نشر في عدد 4 مارس 1989 في جريدة أخبار اليوم في الصفحة الأولى) بعنوان: ظاهرة سلمان رشدي، معتبرا أن الإعلام الغربي هو من يصر على فرضه علينا ليشغلنا عن قضايا أكثر أهمية.


وكتب محمود رأيه في الرواية باختصار شديد حيث - بالنسبة له - هى مجرد سب علني في الرسول وصحابته وزوجاته.





في سياق آخر تناول الكاتب الصحفي الأشهر أحمد بهاء الدين القضية في سلسلة مقالات، في عموده الشهير يوميات بالأهرام، بدأها في عدد يوم 2 أغسطس 1989، تحت عنوان: عودة سلمان رشدي ومعاني الحرية المختلفة، كتب بهاء بالنص: "إن كتاب رشدي ملعون في بلادنا وفي ضمائرنا"، وجاءت مناقشته من زاوية اختلاف معنى الحرية في الغرب عنه في الشرق! وأن ما هو مسموح به هناك قد يكون غير مسموح به هنا.





وقريبا من فكرة بهاء عن معاني الحرية المختلفة كتب الأستاذ يوسف القعيد مقالا في مجلة المصور ( عدد 24 فبراير 1989) تحت عنوان: سلمان رشدي وروايته الملعونة، وبشكل أكثر وضوحا قال إنه ضد محاكمة الأدب والفن والفكر سياسيا ودينيا، ولا يجب أن تكون مواجهتهم بالإرهاب أو الرصاص أو التهديد بالقتل، فالفكر يواجه بالفكر، مع الأخذ في الاعتبار - كما كتب - أن هناك ظروفا وأوضاعا متباينة بين ثقافة وأخرى، فالمقدسات في أي دين لا يجب أن يدوسها أحد بدعوى الحرية.





على جانب آخر يمكن بالطبع تصور ردة فعل ما يسمى ب"اليمين الإسلامي" على رواية رشدي وما فيها، حيث قادت جرائد مثل الشعب والأحرار حملات وحملات تدعو إلى تطبيق حد الحرابة على سلمان رشدي، وهى حملات لم تزد بالطبع عن كونها كلام في كلام.




author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات