القائمة الرئيسية

الصفحات

نجيب محفوظ.. أبدًا لن يستطيعوا اغتيالك

 


يوسف الشريف - صلاح الدين محمد


الأدباء والمخلصين لا يموتون فقط تفنى أجسادهم ولكن تبقى آثارهم، تضئ الطريق أمام الأجيال القادمة، في مصر وتحديدًا بعد منتصف السبعينيات ومع تنامي جماعات الإسلام السياسي التي خرجت من صلب جماعة الإخوان الإرهابية، أصبح هناك كره وعدوانية تجاه كل ما هو وطني، وأصبح هناك أعمال إجرامية يتم تنفيذها لتشويه قوة مصر الناعمة، ولتشويه الهوية المصرية التي نحاول استعادتها الآن.


ولا شك أن أحد أكبر مبدعينا وأحد أهم الأدباء في تاريخ الإنسانية هو نجيب محفوظ. الذي تكاثر الحديث عنه على شاشات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، منذ أيام بسبب ذكرى فوزه بجائزة نوبل في 13 أكتوبر عام 1988، ولكن الجدير بالذكر أنه وبعد سنوات قليلة وفي 14 أكتوبر 1994، يتعرض هذا الأديب العالمي لمحاولة اغتيال أثرت على صحته تأثير بالغ حتى أنه فقد القدرة على الكتابة بعد هذه العملية الإجرامية، والتي قام بها شخص جاهل لم يقرأ كلمة لأديب نوبل، ويظن أنه بقتل الإنسان يمكن أن تختفي أفكاره ولا يعرف أن الأفكار أبدًا لا تموت.

محفوظ يشاهد مراسم تسليم ابنتيه جائزة نوبل للآداب



وضع نجيب محفوظ الحارة المصرية والشخصيات البسيطة القاطنة بين بيوتها ومقاهيها إلى عيون العالم كله، الذي تجسدت له الصراعات والأحداث والفلسفات في الشوارع والدكاكين بمنطقة الجمالية العتيقة بالقاهرة.


نجيب محفوظ يسير بشارع المشهد الحسيني بحي الجمالية



درس وعرف نجيب خبايا الشخصية المصرية، فهو يقوم بعمل دراسات وتحليلات اجتماعية دقيقة من خلال تفاعله مع الشارع ومع البسطاء، لم يكن أبدًا الأديب الذي يعيش في البرج العاجي بعيدًا عما يحدث من تغيرات وتحولات سياسية واجتماعية، بل كان مساهمًا ومشاركًا في كل ما يحدث.


كان يمكن لأي شخص التواصل معه بسهولة، فيكفي أن نقول إنه ساهم في خروج وتشكيل جيل كامل من الأدباء وهو جيل الستينيات الذي أستطاع تقديم ما اطلق عليه الرواية الجديدة والتي كان أحد أهم مؤسسيها الأديب الكبير جمال الغيطاني الذي كان بمثابة التلميذ عند نجيب قبل أن يكون صديق مقرب.


كذلك الأديب الكبير صاحب الرواية البديعة "الحرب في بر مصر" وهو يوسف القعيد الذي قال إن سبب من الأسباب الرئيسية أن أصبح أديب هو تعرفه على نجيب محفوظ حين كان في القاهرة، ويسرد القعيد تفاصيل تعرفه بمحفوظ فنعرف أن لقاء محفوظ الدائم والمتجدد مع شباب المثقفين والأدباء كان يتم بسهولة وتواضع شديد.





كل هذا يتحدث عنه الجميع ولكن حقًا لماذا يندر من يتكلم عن الخطر الموحش الذي كاد يفني هذه العبقرية الفذة التي صَدرت مصر وثقافتها وتقاليدها لما وراء المتوسط؟ وهذا الخطر هو التشدد والتسلف الذي كان نتاجًا لأفكار بعض الناس الذين فضلوا السكن بكهف عتيق وبأشكال مرعبة عن كل الحضارات والثقافات معتقدين أن من أصول الديانة القتل والتخريب ليس إلا.





حينها أستند العجوز الأديب على عكازه ولا يدري ما قد يصيبه وهو في الشارع الذي أعتاد أن يلتقي فيه قراءه و محبيه مستقبلين إياه بالتشجيع والهتاف وإبداء الإعجاب أو حتى إلقاء السلام، إلا أن السلام أنعدم حينما هوى أحدهم ينادي صاحب القلم الذهبي باسمه ويهرع إليه بما يتجاوز الركض في المسابقات؛ وقتها توقف محفوظ وتريث ثم انفرجت شفتاه مسرورة وضاحكة عيناه من تحت نظارته البنية الشهيرة ملتفتًا له باسطًا ذراعيه لعله يلقي منه السلام إلى أنه لم يلق إلا مضاده حينما توغلت السكين المتطرفة في رقبته في مشهد أقرب أن يكون مسرحيًا وكأنه رمزية، أن العقل المتشدد لن يهدأ له بال حتى يقتل الحضارة ويفرض على الجميع الكهف الذي ظن أنه الدين.


author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات