مروة محمد
هل يبدو التميز نعمة أم نقمة على من يملكها؟ لماذا يعاقب المجتمع الشرقي الشخص المميز؟! أتساءل مع نفسي دائمًا هل يعد التميز منحة من الله عز وجل، أم أنه تجربة لاكتشاف الذات وخباياها؟
ينظر المجتمع دائمًا للشخص المميز نظرة تدني، واحتقار، وتقليل من شأنه، مع العلم أن الإنسان خلق بهذه المميزات، وأنها فرضت عليه، لم تكن لديه حرية الاختيار في مجرد إبداء قبوله أو رفضه بها.
لكن المؤسف أن المجتمع لا يرحم هؤلاء المميزين، ويصدر أحكامًا قاسية عليهم، فقط لأن جريمتهم الوحيدة أنهم خلقوا مميزين.
تكمن الحقيقة أن لكل شخص وصفته الخاصة، بمقادير محددة، وتختلف وصفة كل شخص عن الآخر، فوصفة فلان فى النظر للحياة مختلفة عن وصفة فلان فى كيفية التأقلم مع هذه الحياة. لكل منا وصفته المميزة في كيفية قضاء حياته، فهناك المميز بوصفته في نشر العدالة بين الناس على الأرض، وآخر له وصفته في أن تعم الكراهية على من حوله، وعلى حسب نقصان أو زيادة المقادير، يختلف رد فعل كل إنسان فى تقبل أو تذوق هذه الوصفة.
رواية محمد أبو النجا، الصادرة عن دار تنمية، تحت عنوان "الوصفة الغريبة"، تخاطب الإنسان، تبعث لعقله عدة رسائل، فهي رواية إنسانية بحتة من الطراز الأول، كل سطر فيها، يحاور عقولنا من أجل استطلاع خبايا الحياة، بل والتطرق لاكتشاف المزيد من أسرارها.
تمتلئ الرواية بجرعة مكثفة ودسمة من المعلومات الهامة عن أصل أهم الأكلات، وتاريخ اكتشافها، وعلاقتها وربطها بأبطال الرواية.
أسلوب الكتابة والحكي عبقري للغاية، يجذب جميع حواسك للتركيز في كل تفصيلة صغيرة كانت أو كبيرة داخل صفحات الرواية. السرد به العديد من الرسائل بين السطور، يستطيع كل قارئ أن يفهم، ويتفهم تلك الرسائل حسب فكره وعقليته ورؤيته الخاصة، رواية "الوصفة الغريبة".
رواية شديدة المصداقية، عند بداية قراءتها، تخلق حالة من الونس والطمأنينة بين أبطالها والقارئ. رسم الكاتب المبدع محمد أبو النجا، الشخصيات بحرفية، وإتقان، لكل شخصية وصفتها الخاصة المميزة، التي تم تحضيرها بمقادير محسوسة من أجل خلق مذاق شهى لها، وحتى تستطيع أن تتذوق نكهة كل شخصية بتأنى دون استعجال.
كل شخصية في الرواية، لها اضطراباتها النفسية، مواقفها ومبادئها التي تؤمن بها إيمانًا كاملًا، كل شخصية في الرواية شديدة الخصوصية في تعاملاتها مع الآخرين،
فعلى سبيل المثال، شخصية "دهيبة"، تمثل رمز التميز، التمرد على الواقع وإثبات الذات، فقد خلقت مميزة، يغار منها الجميع لشدة تميزها الذي منحها الله لها. مع الأسف الشديد يحسد البشر غيرهم على منحة أجبرتهم الظروف والقدر عليها. وتمثل شخصية "جولك" رمز الوتد، المتماسك، الإرتباط الأسري كالجبل الذي لا تهزه الرياح. أما شخصية "سليمان" فهو الغائب الحاضر في قلوب وأذهان أبطال الرواية، و بالأخص دهيبة.
"الوصفة الغريبة" رواية إنسانية، اجتماعية، نفسية نوعًا ما، بمثابة جهاز كشف حقائق البشر من حولنا، بل إنها رادار يوضح لنا تغيرات وتقلبات الحياة حولنا، استمتعت بقراءة هذه التحفة الفنية، تعايشت معها بكل حواسي، أدركت بعد الانتهاء من قراءتها أهمية حاسة التذوق، بل واكتشفت معها نعمة تذوق الحياة.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب