القائمة الرئيسية

الصفحات

أحمد الفخراني: الأدب محاولة للتعرية بحثا عن الحقيقة و"بار ليالينا" لتعرية القبح والجمال


حوار: أكرم محمد

بلغة رصينة تنساب لتسرد مأساة مهمش يعبر عن سجية بشرية يكتب أحمد الفخراني، روايته الأحدث "بار ليالينا"، الصادرة عن دار الشروق.


بلغة تغلف سردية تجعل من كومبارس صامت بطلا. سردية تحلق حول حياته بنظرة الراوي العليم؛ حيث يطرح كل مسببات الوصول إلى "بار ليالينا" لتحكي معها أجزاء من حياة "نوح"، في تكثيف. سرد يحمل بين طياته، وفي لب كلماته - دون مباشرة - بنية فلسفية تقوم على التعرية و التجريد. تبني عالم عار من كل زيف، متجرد من كل شكل يخفي حقيقته. بداية من تجريد الطبقية، التي تبدأ العمل وتبدأ بناء البنية الفلسفية، ثم تجريد وتعرية المكان "بار ليالينا"، من كل هيبة ووقار فتبدأ الرواية من التعرية لحياة كومبارس يعري ويجرد في الأساس طبع قاطن في البشرية، وقابع في الإنسان في كل زمان وكل مكان، وأخيرا تعرية الوسط الفني والثقافي، الذي يعري بدوره العديد من الصفات البشرية والثنائيات.



أحمد الفخراني هو كاتب روائي وقاص وصحفي مصري، من مواليد الإسكندرية 1981، صدر له عدة روايات منها: «ماندرولا» و«بياصة الشوام» عن دار العين، و«سيرة سيد باشا» عن دار بيت الياسمين، فضلا عن «إخضاع الكلب» و«بار ليالينا»، عن دار الشروق.


وحول روايته الأحدث "بار ليالينا" تحدث "الفخراني" لـ مدونة "مكتبة وهبان"، عن كواليس كتابته للرواية، وتفاصيل العمل وشخصياته، وذلك من خلال الحوار التالي:


- البنية الفلسفية لرواية «بار ليالينا» تقوم على فعل التعرية، بداية من تعرية حياة البطل لكشف طبيعة بشرية ثم تعرية المكان وأخيرا تعرية الأوساط الثقافية والفنية.. فكيف ترى فعل «التعرية» في الكتابة؟


 أظن أن الأدب كله هو محاولة للتعرية بحثا عن الحقيقة، وهو أمر مختلف عن تحري الصدق، الصدق والكذب ثنائية ساذجة وغالبا ما يكون متحرو الصدق أدباء سيئين، بينما ملتقطي النبرة الفنية للكذب كتاب جيدين، كما أن مفهوم التعرية ليس مفهوما سلبيا، لكن أقرب لمرآة، فهو لا يعري قبحه فقط، بل جماله الخفي أيضا، الوجود الزائف في مواجهة الوجود الأصلي يشغلني، والزائف هنا ليس بالمعنى الأخلاقي، لكن تلك الحساسية هي ما توجهني.


- "بار ليالينا" هو بطل في الرواية، و من المؤثرات المهمة على الأحداث والشخصيات.. فكيف ترى موقع المكان من الرواية؟


في أغلب أعمالي يمثل المكان بمعناه البدائي المسرح الملائم للأحداث، في "بياصة الشوام" كان المكان الضيق المحدد يمثل الاتساع عبر تركيز رموز العالم داخله وعبر غموضه، في آخر روايتين، كنت معني بالمكان الضيق الذي يشبه السجن، الذي يبتلع ناسه أو يظنون أن حدوده الضيقة هي العالم، وكذلك كان بار ليالينا لمثقفي البار ولنوح، هنا نحن لسنا فقط أمام مكان ضيق، لكن مكان تافه، يختلق رواده حوله أسطورة تمنحهم وهم التفوق الطبقي بمجرد الانتماء إليه، لكنه ليس إلا مكانا للعزلة والأوهام والانفصال عن العالم.



- لماذا اخترت أن يكون سرد الرواية بنظرة الراوي العليم، السارد لحياة البطل و سبب ذهابه للبار؟ وهل تختار شخصية الراوي قبل الكتابة أم خلالها؟


رأيت أن الراوي العليم هي الأداة الأنسب لشرح دوافع نوح وتفسيرها، خصوصا لأن جهله يمنعه من التعبير السليم، وكذلك منحتني تلك الأداة قدرة على الانتقال السلس من السرد من وجهة نظر نوح، إلى باقي شخصيات الرواية لإضاءة الموقف كله، وتغيير السرد من زاوية نوح إلى نعمات بشكل كامل في الفصل الأخير، أختار شخصية الراوي من خلال المسودات الأولية للعمل، الشكل لا يأتي بسلاسة إلا بالإعادة الصعبة للكتابة عدة مرات، ليتفق مع المضمون دون تعسف.



- شخصية «نوح» تحمل العديد من صفات الإنسان.. ومن خلاله تكشف طبيعة بشرية فهل قابلت نوح أم هو شخصية خيالية تحاكي الواقع؟


قابلته في عدة شخصيات، وقمت بإعادة تخييله من عدة شخصيات، يكون للشخوص التي أرسمها دائما جذرها الواقعي لكنها لا تتطابق مع أحد بعينه، لأني استعين بجذرها فقط كمحرك لكن هيئتها النفسية والشكلية تستمد من جذور واقعية لشخصيات أخرى بالإضافة للتخيل.


- نحن هنا أمام رواية هي نتاج لطبيعة بشرية وأوساط ثقافية وفنية.. فكيف ترى تأثير البيئة المحيطة بالكاتب على كتابته؟


لا أستلهم شخصياتي من عدم، بل غالبا ما أرسمها من خلال ما أعرفه ومحاولة تخيل ما لا أعرفه، أنا مغوي بالناس منذ أن عملت بالصحافة وحكايات البشر بما تتضمنه من حقيقة أو احتمالات متخيلة لما قد تكون عليه تلك الحقيقة، لمساراتهم التي تحققت بالفعل والتي كان لها أن تتحقق، بالإمكانية الفعلية التي رسمها لهم الواقع المحدود وبالإمكانيات التي حجمها الواقع وعلينا تخيلها في الرأس أو في الأحلام، دائما ما تشغلني تلك الإمكانية الناقصة التي حجمها الواقع، وما الذي كان ينبغي أن يكون عليه الإنسان إذا حطم قيود الواقع وحقق كماله، في تلك المنطقة بين الممكن والمستحيل، أشعر بالأسى وتنتبه حساسيتي الفنية.



- قدرت من خلال شخصياتك وبطلك «نوح» على خلق ثنائيات وإسقاطات.. فكيف ترى الثنائيات وموقعها من الكتابة؟


لا توجد ثنائيات، بل مشترك إنساني، أو بعد أكثر تركيبا وتعقيدا لوصف الإنسان وفهمه لكنه ضائع تحت وطأة الأوهام والغرور والتصورات الزائفة للبشر عن أنفسهم. لا أفضل الثنائيات في الكتابة، الروائي يرى أبعد من الخير والشر وكافة الثنائيات، وإن كنت كما علمنا جوجول في قصتي "الأنف والمعطف" اسمح لنفسي بالتهكم الصريح من السادة في كل سلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو ثقافية سواء بغطرستها الزائفة أو التضخم غير المعقول لذواتها، مع ذلك كنت حريصا على إيجاد جانب إنساني مضي في كل شخصية في الرواية.






author-img
أنا إسلام وهبان، مؤسس مدونة "مكتبة وهبان" وقد أطلقتها لمحاولة استعادة دور المدونات الثقافية في نشر الوعي والتشجيع على القراءة ومتابعة كل ما يخص المشهد الثقافي والأدبي ومشاركة القراء اهتماماتهم وخبراتهم القرائية

تعليقات