يوسف الشريف
في روايتها الأخيرة "فيلة سوداء بأحذية بيضاء" الصادرة عن دار دون للنشر والتوزيع، تقدم الكاتبة والروائية الكبيرة والمخضرمة سلوى بكر نصًا يعبر ويلخص ويؤرخ أهم الأحداث التي مرت على مصر في العصر الحديث، والتي لا تزال آثارها ممتدة ومؤثرة في حاضرنا.
سؤال مُلح يدور في أذهان الجميع الآن، ويجعل الكثيرين بحاجة إلى العودة لقراءة ومعرفة التاريخ وهو، كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ وكيف نخرج؟! وفي الرواية تسرد لك الكاتبة الكبيرة، جانبا من أهم الأحداث والتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع المصري، وأدت إلى تغيير حاله وكانت سببا من أسباب تأخره، فالرواية هي عبارة عن أربع فصول تشير إلى سنوات بعينها من تاريخ مصر، نرى فيها الأحداث التي جرت في كل سنة، وما تأثيرها على الشارع المصري، والبيت والأسرة المصرية، لتعرف كيف تغيرت مجتمعاتنا؟ ولماذا ومتى ازدادت الفيلة السوداء التي ترتدي أحذية بيضاء في الشوارع؟!
ما بعد النكسة والتمسك بالأرض
تبدأ الرواية بعام 1968، حيث الفترة التالية لنكسة يونيو 1967، وتلك فترة شديدة الحساسية في تاريخ مصر، حيث احتلال العدو الصهيوني لسيناء، وتبخر وتلاشي الأحلام والوعود الناصرية. توضح الرواية رأي الشارع المصري وكيف كان الشباب الجامعي يريد الذهاب إلى سيناء من أجل الكفاح المسلح ومؤازرة الجيش المهزوم والذي لم يستطع الصمود أمام هجوم العدو المباغت.
تقول الكاتبة داخل الرواية على لسان أحد الأبطال لتوضح نقطة من النقاط الهامة التي أدت إلى النكسة: "هذا الاحتلال الذي ما كان يمكن أن يحدث لو كان للشعب رأي ودور حقيقي، في اتخاذ القرارات المصيرية للبلاد". وهنا يبرز أهمية أن يكون الشعب مشارك وصاحب دور فعال في إتخاذ كل القرارات التي تأخذها الدولة، حتى لا تنساق الدولة إلي الانتكاسات.
الحرب أو المعجزة
نرى داخل الرواية في تلك الفترة 1968، انقسام المصريين بين من يريد أن يذهب إلى سيناء ليشارك في معركة التحرير، وبين من ينتظر وقوع المعجزة، حيث في بعض المشاهد الأولى داخل الرواية، نرى أن الشعب بأجمعه وبمختلف طوائفه يقف أمام أحد الكنائس ليرى معجزة ظهور مريم العذراء فوق الكنيسة. وقد شعرت بأن هذا الإسقاط استخدمته الكاتبة لتوضح أن الشعب كان منقسما بين من هو مهموم بالحرب، ومن هم مجرد مشاهدين ينتظرون وقوع المعجزة.
تفريغ عقل المواطن وطمس الهوية
وفي الفصول والسنوات التالية داخل الرواية والتي تدور كلها في عصر الرئيس السادات، نرى أهم وأخطر ما طرأ على المجتمع المصري في السنوات الأخيرة والتي لا زال المجتمع يعاني منها حتى اليوم، وهو تمدد وانتشار الأفكار السلفية التي رعاها النظام في تلك الفترة.
فبعد انتصار 1973، انتهت مصر من الاحتلال العسكري لسيناء، أشارت الكاتبة إلى احتلال أخطر بكثير من الاحتلال العسكري وهو على حد قولها: "عودة الاستعمار الاقتصادي"، لتحلل لنا الكاتبة الكبيرة، كيف دفع هذا الاستعمار الاقتصادي المصريين إلى اعتناق أفكار لا زالوا يعانون منها حتى اليوم، فنحن نرى بطل من أبطال الرواية وهو "حسام" كيف تغيرت أفكاره، حيث كان يريد الذهاب للكفاح في سيناء في 1968 ويحلم بمستقبل أفضل وأفكار مليئة بالأمل والتغيير والبناء، إلى اعتناقه أفكار رجعية وأصبح هدفه الحقيقي جمع أكبر قدر من المال حتى يصبح من الأثرياء في عصر الرئيس الذي قال صراحة لشعبه داخل الرواية: "كل واحد عاوز يعمل فلوس يعملها في عهدي".
نرشح لك: فيلة سوداء بأحذية بيضاء.. سلوى بكر تتتبع بدايات التطرف في المجتمع المصري
في سنوات ما بعد 1973، وخلال ما عرف "بسنوات الصحوة"، كانت التغيرات متسارعة داخل المجتمع المصري، حتى في الكلمات التي يتحدث بها، فتجد بطل الرواية حسام يستبدل تحيته في الهاتف إلى "السلام عليكم" بدلا من "آلو" إذا أتصل به أحد، لأنه أصبح يرى أن كلمة "آلو" أجنبية وهو يريد العودة إلى الكلمة الإسلامية، وحيث يريد حسام أن تصبح زوجته محجبة كما تحجب كل النساء من حوله بما فيهم الأطفال أنفسهم.
فبعد أن كان حسام في 1968 يقود المظاهرات ويحاول التغيير والبناء وزرع الأحلام والتمرد، أصبح متكيفا مع الأوضاع، ويحاول التكسب من تلك الأوضاع، ويريد تحجيب زوجته حتى لا يكثر كلام الناس، وبعد أن تتحجب يريدها أن تتنقب، وأن تترك عملها ودورها في المجتمع لتجلس في البيت، ولمن لا يعرف كثيرًا عن تلك الفترة، سيعرف أن استخدام الحجاب وتأويله كان لنوازع سياسية بحتة، لا علاقة لها بأي دين، فأول ما بدأت ظاهرة الحجاب في التمدد كانت بحجة أن الحجاب يدعوا إلي الحشمة والاحترام فقط، ولذلك نرى الكاتبة وهي تقول علي لسان بطلة الرواية: "لا علاقة لقماشة على النافوخ بالاحتشام والوقار".
فالإنسان أو المواطن الذي لا بد أن يكون شاغله الأول هو نفع نفسه ونفع الناس ونفع وطنه ورفعته، والذي من المفترض أن يكون هدف وجوهر جميع الأديان وهو نفع الإنسان وإعمار الأرض. أصبح هذا المواطن مشغولا بأفكار تضعه في دوائر الخوف من الإله لا الإيمان الحقيقي به، وضمور العقل لا إعماله ليصبح مواطنا سلبيا وهو ما يصب في صالح الأنظمة الاستبدادية.
نرشح لك: 8 أسباب لقراءة كتاب "أسرار الملوك والملكات في مصر القديمة" لـ دكتور حسين عبد البصير
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك أو أرسل رسالة للكاتب